في حديثٍ شفاف وصريح مع “ياسمينة”، تكشف الممثلة يارا صبري عن لحظة فارقة في مشوارها الفني، لحظة محورية قلبت موازين شخصية “ميادة” التي تجسدها في مسلسل “العميل”، ستتوّج عودتها القوية إلى عالم الدراما بعد غياب طال لسنوات. تفتح صبري قلبها، وتغوص في تفاصيل الرحلة التي قادتها للعودة إلى الشاشة، وتستعرض كيف تحوّل الغياب إلى فرصة للتجدد، وكيف قدّم دور “ميادة” فرصة لاستكشاف أبعاد إنسانية عميقة من خلال التضحيات والأمومة. وإليكِ 6 أسباب تدفعكِ لمتابعة مسلسل العميل دون سواه.
تتحدث يارا في هذه المقابلة الصادقة، كيف ألهمتها والدتها الراحلة، الفنانة ثناء دبسي، في تجسيد هذا الدور بكل عمق وإبداع، في رحلة عاطفية حملت معها شحنة من التأمل الشخصي، والحنين إلى الماضي الحافل بالذكريات التي شكّلت جزءاً كبيراً من هويتها الفنية.
في حديثها معنا، نجد أن كل كلمة تحمل وراءها سنوات من الصمت والتأمل، ليكون دور “ميادة” أكثر من مجرد تمثيل، بل جزءًا من رحلة طويلة للعودة إلى الذات.
– مسلسل “العميل” أعاد اكتشافك درامياً، والعودة بدور قوي بعد غياب طويل قد يضع ضغوطاً عليكِ. كيف تعاملتِ مع هذه الضغوط؟ وكيف وجدتِ التفاعل مع جمهورك بعد العودة؟
بعد غياب دام عدة سنوات، شعرت بمسؤولية مضاعفة. كان هناك تساؤل دائم يرافقني: “هل أستطيع أن أعود بشكل يليق بتوقعات الجمهور الذي انتظرني؟” وعندما بدأ الخبر ينتشر حول مشاركتي في “العميل” وعودتي إلى عالم التمثيل، شعرت بتفاعل هائل من الجمهور، وهو ما أضاف عبئاً من المسؤولية. الدعم الذي تلقيته فاق التوقعات، وكان يرفع من حماسي لأكون عند حسن الظن. لم يكن التحدي فقط في تقديم أداء جيد، بل في تقديم شيء مختلف يعكس تطور شخصيتي كممثلة، وهذا ما دفعني لتقديم “يَارا” جديدة، كما يراها الجمهور اليوم.
– الجمهور يتذكرك بنفس الطريقة التي تركتِ بها الساحة الفنية، وأشهر أدوارك كان دور “ناديا” في “الفصول الأربعة”، ولكنك عدتِ بدور لا يشبهكِ في الشكل أو الأداء، كيف تعاملتِ مع هذه المقارنة؟
صحيح أن “ناديا” كان دوراً محورياً في مسيرتي، وهو دور لن ينساه الجمهور بسهولة، ولذلك عندما عدتُ بدور “ميادة” في “العميل”، كان رد فعل الجمهور متوقعاً. بعضهم تعجّب من التغيير الواضح في شكلي، خاصة أنني جئت بدور مغاير تماماً، لكنه ليس غريباً على مسيرتي. من قبل، قمتُ بتقديم أدوار لنساء أكبر سناً من شخصيتي الحقيقية، مثل دوري في “قيود الروح”. لكن هذه المرة، كان تحدياً مزدوجاً؛ ليس فقط في الشكل والمظهر، بل في نقل المشاعر والأبعاد الإنسانية التي تتطلب الكثير من التأمل والتعمق. لذلك، لم أواجه صعوبة في التعامل مع التوقعات، لأنني دائماً أرى كل دور على أنه مشروع منفصل، وكل شخصية عالم جديد أكتشفه.
– تجسدين في “العميل” شخصية “ميادة” التي تكبركِ في السن، هل شعرتِ بأي صعوبة في الدخول إلى عقلية شخصية أكبر منكِ سناً؟
منذ البداية، لم أكن أفكر في “ميادة” من منظور سنيّ. الأم هي الأم، بغض النظر عن عمرها. الأمومة تتسم بالحب غير المشروط، بالعطاء، وبالتضحية، وهذه الصفات تتجاوز أي اعتبار آخر. إذا كانت “ميادة” أكبر مني سناً، فالمشاعر التي تجسدها هي ذاتها التي تختبرها أي أم، بغض النظر عن عمرها. كما أنني لم أعد أعتبر الشخصية عبئاً ثقيلاً بسبب فارق السن، بل كنت أركز على جوانبها الإنسانية: التحديات التي واجهَتها، تمسكها بأملها في رؤية ابنها بعد سنوات من الفقدان. في النهاية، كانت ميادة شخصاً يجب أن أفهمه وأتقمصه بتفاصيله، سواء كانت هذه التفاصيل تتعلق بسنّها أو بخلفيتها الاجتماعية.
– هل حاولتِ ربط يارا صبري بالشخصيات التي تؤديها، وبمَ تشبهكِ “ميادة”؟
أعتقد أن أي ممثل يتأثر جزئياً بالشخصية التي يؤديها، مهما كانت المسافة بينه وبينها. في حالة “ميادة”، وجدتُ الكثير من التشابه بيننا على مستوى المبادئ. ميادة قوية، ثابتة، وعميقة الإيمان بأن الحق سيظهر يوماً ما. هذه الصفات جزء من شخصيتي أيضاً. لكن الاختلاف يكمن في طريقة التعبير عن هذه المبادئ، فكل واحدة منا تعيش هذا التحدي بطرق مختلفة. شعرت أنني أسير على خطى ميادة في تعبيرها عن الأمومة، في إصرارها على الانتظار، وفي قدرتها على الوقوف مجدداً بعد كل الصدمات.
– هل استعنتِ بأدوار سابقة لممثلين كبار في السن أثناء التحضير لهذا الدور أم أنكِ اعتمدتِ على خيالكِ الخاص؟
تجربتي مع شخصيات كبيرة في السن لم تأتِ فقط من خلال الأدوار التي لعبتها، بل أيضاً من خلال الاحتكاك بالمحيط الفني والتعلم المستمر. والدتي الراحلة، ثناء دبسي، كانت مصدر إلهام كبير لي؛ فهي لم تكن مجرد ممثلة عظيمة، بل كانت إنسانة عظيمة استمديت منها الكثير من القيم. بعض النقاد والجمهور لاحظوا تشابهاً بين ميادة ووالدتي، وهذا كان غير مقصود، لكنه أثر فيّ بشكل عميق. فالحقيقة أنني لم أكن أفكر في تقليدها أو تقليد أي شخصية أخرى، بل كنت أحاول أن أعيش الشخصية بطريقتي الخاصة، أستلهم منها وأستمتع بتحقيق تفاصيلها.
– هل هناك مشهد أو لحظة في “العميل” تجسّدين فيها التحدي الأكبر لكِ؟
بلا شك، مشهد اكتشاف السرّ كان الأكثر تحدياً بالنسبة لي. في لحظة الكشف عن أن “وسام” هو ابنها المفقود “غسان”، كان أمامي تحدٍ ضخم؛ كيف أقدّم هذه اللحظة التي تم تناولها من قبل في الكثير من الأعمال. كان لديّ رغبة شديدة في أن أقدمها بطريقة جديدة، تحمل خصوصية في الأداء، وقد تغلبت على التحدي العاطفي الكبير في هذا المشهد الحاسم. لم أشاهد المشهد بعد في النسخة النهائية، وأنتظر ردود الفعل من الجمهور بعد عرضه، لكنني راهنت على أنني قدمت شيئاً مميزاً، يحترم هذا الانتقال الدرامي الكبير.
– خلال سنوات غيابكِ، هل شعرتِ بالحنين للعمل على شاشة التلفزيون؟ وما الشعور الذي انتابكِ لدى مشاهدة أعمال سورية عُرضت عليكِ في فترة غربتكِ واعتذرتِ عنها؟
كانت سنوات الغياب مليئة بالتأمل والتطوير الذاتي. بالطبع، شعرت بالحنين لأقف أمام الكاميرا وأعيش اللحظة الفنية مجدداً. ولكنني لم أكن غائبة تماماً عن الساحة، فقد شاركت في عدة مشاريع وعملت في ورشات فنية وفي المسرح ومثّلت في فيلم سينمائي، واقتصر غيابي على البُعد عن الساحة الدرامية العربية. وعندما شاهدت الأعمال التي عرضت عليّ في تلك الفترة، كان شعوراً متناقضاً؛ جزء مني كان يشعر بالحزن على عدم المشاركة، لكنني في الوقت ذاته، كنت فخورة بالأعمال التي تم إنتاجها وتقديرها، وفرحت لصديقاتي اللاتي حللن مكاني فيها. لقد كانت فترة استفدت منها في تنمية نفسي بعيداً عن الأضواء.
– جواز السفر الكندي أعاد لكِ حرية التنقل، وأتاح لكِ فرصة العودة للعمل. هل تشعرين اليوم بالأمان والاستقرار؟
بالتأكيد، لا يمكنني نكران أن العودة إلى دبي، واستقراري هناك، قد أعطاني نوعاً من الأمان. لكن الأمان الحقيقي لا يأتي فقط من المكان، بل من الاستقرار النفسي والروحي. لقد فقدنا الأمان العاطفي بسبب الظروف التي مررنا بها، ورحيل والدتي كان له أثر عميق في حياتي، فعند ترككِ لبلدكِ الأُم، تفتقدين الكثير من الأمور، فما بالكِ من فقدان الأُم تحديداً، جزء من الأمان العاطفي يزول برحيلها… الآن، أعيش في دبي بالقرب من عائلتي، وهذا يعطيني شعوراً بالأمان النسبي، لكن التحديات التي واجهناها تظل حاضرة في ذاكرتي.
– أبديتِ استعدادكِ للمشاركة في الجزء الثالث من “الفصول الأربعة” إن أبصر النور، ماذا يعني لكِ هذا العمل؟
“الفصول الأربعة” بالنسبة لي هو علامة فارقة في مسيرتي الفنية. لا يمكن لأي فنان أن ينسى مشروعاً جمع بين الإبداع الجماعي والإنساني بهذا الشكل. منذ 25 عاماً، كانت شخصيات هذا العمل بمثابة مرآة للعائلة السورية والعلاقات الاجتماعية، ولهذا يبقى “الفصول الأربعة” في ذاكرة الأجيال. قد يكون الوقت قد مر، لكن إذا كان من الممكن أن نعود إليه في جزء ثالث، فإنني أؤمن أنه يجب أن يكون هذا الجزء يتماشى مع تطور الزمن دون أن يفقد روحه. إذا كان العمل سيحترم هذه الشخصيات وأبعادها، فلا شك أن “ناديا” ستكون جزءًا من هذا العالم، وفي حال قرر صناع العمل العودة به، فإنني سأكون شديدة الحماسة للمشاركة.
– ما هي مشاريعكِ التمثيلية المستقبلية؟
أعمل حالياً على مشروع سينمائي سوري كان من المفترض تصويره العام الماضي، ولكن تم تأجيله، ونحن الآن في مرحلة التحضير لتصويره في كندا. من ناحية الدراما، لم يتم بعد الاتفاق على أي مشروع جديد، لكنني أتمنى أن أكون جزءًا من عمل يعكس تطور الدراما العربية ويراعي تطلعات الجمهور.
– في الختام، ما هي رسالتكِ للمرأة العربية؟
رسالتي للمرأة العربية هي أن تكتشف قوتها الداخلية، وأن ترفع صوتها وتكون فاعلة في المجتمع. نحن، النساء، قادرات على التفوق في جميع المجالات، إذا أتيحت لنا الفرص. لا يجب أن نقبل بمعاملة ناقصة أو تمييز، بل يجب أن نكون مصدر إلهام لكل من حولنا. المرأة العربية قادرة على تحقيق أحلامها وطموحاتها، وأدعوها دائماً للتمسك بذلك الأمل والإيمان بقوتها.