في عالم تتداخل فيه التحديات مع الفرص، تبرز المتزلجة السعودية شريفة السديري كرمز مُلهم للشغف والعزيمة. بدأت رحلتها في عالم التزلج في سن العاشرة، ومنذ تلك اللحظة، أصبح الجليد ملعبها وموطن شغفها.
تؤمن شريفة بأن الرياضة ليست مجرد نشاط بدني، بل هي وسيلة تعزّز الثقة بالنفس وتفتح أبواب التحدي، مما يتيح للنساء تحقيق ما قد يبدو غير تقليدي أو بعيد المنال.
في لقاء مُلهم مع “ياسمينة”، تشارك شريفة قصتها وتجربتها، موجّهة رسالة قوية للنساء بأنهن قادرات على كسر الحواجز والوصول إلى قمم جديدة، فهي ترى أن استعراض مهاراتها على قمم جبال الألب، كأول متزلجة سعودية، ليس مجرد تجربة شخصية؛ بل دعوة لتمكين المرأة ودعمها.
ومع تزايد شغف الفتيات السعوديات بالرياضة، تأمل شريفة أن تكون رحلتها مصدر إلهام يدفع الأخريات للانطلاق نحو تحقيق أحلامهن، وأن تسهم في بناء مجتمع يدعم الرياضة والتمكين النسائي. إن قصتها ليست فقط عن التزلج، بل عن القدرة على تجاوز العقبات وإلهام الأجيال القادمة لاحتضان شغفهن والسعي نحو تحقيق أحلامهن بلا تردد.
بدايةً، أخبرينا عن نفسك وعن تجربتكِ الأولى مع التزلج، كيف بدأت الرحلة؟
بدأت رحلتي مع التزلج في سن العاشرة، خلال إجازة عائلية في سويسرا. من اللحظة الأولى التي وقفت فيها على الجليد، شعرت بشغف لا يوصف، فقد عشقت هذه الرياضة من التجربة الأولى.
التزلج بالنسبة لي هو أكثر من مجرد رياضة، إنه شغف يمزج بين المرح والتحدي، وكلما تزلجت، أسترجع ذكريات لا تنسى من طفولتي، وكل انزلاق على الجليد يمثل مغامرة جديدة بالنسبة لي، تحمل في طياتها إثارة لا تنتهي.
ما الذي جذبكِ إلى رياضة التزلج بالذات؟ هل هناك لحظة معينة كانت فارقة في قراركِ بالاحتراف؟
تعلّقي برياضة التزلج نابع من علاقتي بالطبيعة وحب التواجد في أحضانها طوال اليوم، فهناك جمال خاص في التنقل بسلاسة بين المنحدرات، حيث تلتقي الطبيعة مع الحركة، مما يخلق تجربة فريدة تشبع حواسي، وفي كل مرة أتزلج فيها بسرعة، أشعر أنني أحقق أقصى درجات التشويق والمغامرة.
وبالنسبة لي، كانت الرغبة في إحداث تغيير في السعودية هي الشغف الذي دفعني لخوض هذا المجال بشكل احترافي.
تعتَبرين رائدة في مجال التزلج في المملكة، باعتبارك أول متزلجة سعودية تستعرض مهاراتها على قمم ثلوج جبال الألب. كيف ترين تأثيرك على النساء والفتيات السعوديات اللواتي يرغبن في ممارسة الرياضة؟
تأثرت شخصياً بالعديد من النساء القويات في السعودية، واللواتي ألهمتني قصصهن وتجاربهن في مجالات الرياضة وغيرها، وأتمنى أن أكون مصدر إلهام لكل امرأة سعودية وعربية تتطلع لممارسة التزلج أو أي رياضة أخرى. أؤمن أن التحدي والاحترافية يمكن أن يفتحا الأبواب أمامهن، وأن لدي القدرة على ترك أثر إيجابي في حياتهن.
إن رؤيتي للفتيات وهن يحققن أحلامهن في الرياضة تشجعني على الاستمرار، وآمل أن أساهم في بناء مجتمع يدعم النساء في تحقيق طموحاتهن الرياضية.
كيف ترين تطور الرياضة النسائية في السعودية، وما هي أبرز التحديات التي واجهتك كإمرأة في هذا المجال؟
أرى أن الرياضة النسائية في السعودية شهدت تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، خاصة بعد رؤية 2030 التي أطلقها سمو الأمير محمد بن سلمان. هذه الرؤية أدت إلى تغييرات إيجابية شجعت النساء على المشاركة في مختلف أنواع الرياضات، مما أتاح لنا فرصاً لم نكن نحلم بها سابقاً.
لكن التحديات ما زالت قائمة. أحد أكبر التحديات التي واجهتها هو عدم توفر مرافق للتزلج في المملكة، مما يجبرنا على السفر إلى الخارج للتدريب والممارسة. هذا يشكل عائقاً كبيراً، خاصةً عندما نرغب في تطوير مهاراتنا بشكل مستمر.
ما هو الحلم الأكبر الذي تسعين لتحقيقه في مسيرتك الرياضية؟
حلمي الأكبر هو الوصول إلى دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في ميلانو كورتينا 2026. هذه البطولة تمثّل لي أكثر من مجرد حدث رياضي؛ إنها منصة لتحقيق أحلامي وطموحاتي، ووسيلة لإلهام الآخرين. أطمح أن أكون في أفضل حالاتي، وأعمل باستمرار على تحسين أدائي وتطوير مهاراتي.
لكن الأهم من ذلك، أريد أن أكون مصدر إلهام للأجيال الجديدة من المتزلجات السعوديات. أؤمن بأن رؤية امرأة تمثّل بلدها في حدث عالمي مثل الأولمبياد يمكن أن تفتح آفاق جديدة وتلهم الفتيات لخوض تجربة رياضة التزلج. أشعر بأن لدي مسؤولية كبيرة في هذا السياق، حيث أرغب في أن أظهر لهن أن الأحلام ممكنة، وأن الشغف والإصرار يمكن أن يحققوا أي شيء.
ما هي الرسالة التي تودين توجيهها للفتيات السعوديات اللواتي يحلمن بممارسة الرياضة أو تحقيق أهدافهن في مجالات أخرى؟
رسالتي للفتيات السعوديات هي أن الأحلام ليست مجرد أماني، بل هي أهداف قابلة للتحقيق. إن الوقت الحالي هو أفضل فترة لتحدي الحدود، فالسعودية تشهد تحولات كبيرة تفتح الأبواب لكل امرأة طموحة. أريد أن أؤكد لهن أن العمل الجاد، الإصرار، والإيمان بالنفس هي مفاتيح النجاح.
عندما تسعين لتحقيق أحلامك، تساهمين في بناء مجتمع رياضي نسائي قوي يغير المفاهيم السائدة حول قدرة المرأة على التنافس والتميز على المستوى العالمي. تذكري دائماً أنكِ لستِ وحدك، فكل خطوة تخطينها تترك أثراً في الآخرين وتلهمهم. لذا، احلمي، واجتهدي، وكوني مثالاً يحتذى به.
هل هناك لحظة معينة خلال مسيرتك الرياضية تتذكرينها بفخر وتعتبرينها نقطة تحوّل لك؟
كل تجربة خضتها في المنافسات الدولية تركت في نفسي أثراً عميقاً، فأن أكون المرأة السعودية والعربية الوحيدة وسط المشاركات، لحظة تشعرني بالفخر والاعتزاز. تلك اللحظات تمثّل نقاط تحوّل حقيقية، تتحوّل معها التحديات إلى فرص للنمو والإلهام.
في كل منافسة، أدرك أنني لا أمثل نفسي فقط، بل أكون صوتاً لكل الفتيات والنساء اللواتي يحلمن بتجاوز الحدود. وكل إنجاز، مهما كان صغيراً، يسهم في تغيير الصورة النمطية حول قدرات المرأة في الرياضة، ويعزّز الأمل في تحقيق أحلام أكبر.
كأم لطفلين، كيف توازنين بين مسؤوليات الأمومة وشغفك بالرياضة والتزلج؟
أواجه تحديات كبيرة في تحقيق التوازن بين مسؤولياتي وشغفي، فالأمر ليس سهلاً، لكنه يدفعني إلى التفكير العميق حول كيفية إدارة وقتي وطاقتي. أسعى دائماً لأن أكون حاضرة بجميع قواي مع أولادي، حيث أشرح لهم أهمية الشغف في حياتنا.
أريد أن يروا أن متابعة الأحلام ليست مجرد هواية، بل هي جزء أساسي من الهوية الشخصية. عندما أمارس رياضتي، أظهر لهم أن الجهد والمثابرة يمكن أن يحققوا الأحلام، وأتمنى أن يلهمهم ذلك لتحديد أهدافهم الخاصة والسعي لتحقيقها.
بهذه الطريقة، أجد أن شغفي يصبح ليس فقط شيئاً أعيشه لنفسي، بل أيضاً نموذجاً يُمكنهم الاقتداء به، مما يساعدهم على فهم أهمية التوازن بين المسؤوليات والطموحات.
كيف يعكس شغفك بالتزلج حبّك للطبيعة؟
حبّي للطبيعة كان الدافع وراء ممارستي لرياضة التزلج، فهي ليست مجرد نشاط رياضي، بل تجربة تعمّق العلاقة بين الإنسان والبيئة، وتجعله يتواصل مع جمال الطبيعة ويقدّرها بشكل أعمق. ومع ذلك، يؤثر المناخ بشكل كبير على هذه الرياضة، ويهدد الاحتباس الحراري استدامتها، حيث قد تصبح مواسم التزلج أقصر وأقل استقراراً.
هذا الواقع يدفع المتزلجين إلى التفكير في دورهم كحماة للبيئة، ويزيد من وعيهم بأهمية الحفاظ على الطبيعة، مما يشجعهم على المشاركة في المبادرات البيئية والمساهمة في الجهود الرامية إلى مكافحة تغيّر المناخ. في النهاية، يتشكل ارتباط قوي بين شغف المتزلج وحبّه للطبيعة، مما يعكس الحاجة الملحة للحفاظ على البيئة التي تعزّز هذا الشغف.
كيف تستعدين نفسياً وبدنياً قبل المنافسات الكبيرة؟ وما هو الروتين اليومي الذي تتبعينه للحفاظ على لياقتكِ البدنية وجمالكِ؟
أعتمد على مجموعة من العادات التي توازن بين العقل والجسد، فبالنسبة لي، الجانب العقلي للرياضة لا يقل أهمية عن الجانب البدني. لذا، أخصص وقتاً للتأمل والتخيل، حيث يساعدني ذلك على تعزيز تركيزي وثقتي بنفسي.
أعتبر النوم المبكر عنصراً أساسياً في روتيني؛ فهو يمنحني الطاقة اللازمة للتمرينات المكثفة. إلى جانب ذلك، أحرص على تناول وجبات صحية ومتوازنة تمدني بالعناصر الغذائية الضرورية. كما أن الترطيب الجيد للجسم جزء لا يتجزأ من عاداتي، فهو يسهم في تحسين أدائي ويعزز من لياقتي.
وأجد أن التواصل مع الطبيعة له تأثير كبير على صحتي النفسية، حيث أنني أستمتع بالاستيقاظ مبكراً والتجول في الهواء الطلق، مما يمنحني شعوراً بالانتعاش ويساعدني على الاسترخاء.
باختصار، يجسّد روتيني اليومي مزيجاً من التمارين البدنية، العناية بالصحة النفسية، واتباع نمط حياة صحي. هذا التوازن هو ما يجعلني أشعر بالجاهزية والثقة في كل منافسة.
هل هناك ممارسات غذائية معينة تتبعينها لدعم رشاقتكِ؟
يعتمد نظامي الغذائي على التوازن والوعي. أؤمن بأن الغذاء يجب أن يكون متنوعاً وصحياً، لذا أحرص على تضمين جميع ألوان الفواكه والخضروات في وجباتي. هذه الألوان ليست مجرد تجميل للطبق، بل تعكس تنوع العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم.
أبتعد عن الأطعمة المصنعة مثل “التشيبس” والشوكولاتة، وأفضل الخيارات الطبيعية مثل الأطعمة الكاملة، فهي تساعدني على البقاء نشطة ورشيقة. كما أنني أحرص على الترطيب الجيد، لأن الماء يلعب دوراً أساسياً في دعم صحتنا العامة.
ومع ذلك، أؤمن بأهمية اللطف مع النفس، فحين أشعر برغبة في تناول شيء غير صحي، لا أفرض على نفسي قيوداً صارمة، بل أخصص يوماً لأستمتع بتلك المأكولات، لأن السعادة جزء مهم من الرحلة. بهذه الطريقة، أحقق التوازن بين الحفاظ على رشاقتي والاستمتاع بكل لحظة.
كيف تؤثر الرياضة على ثقتكِ بنفسكِ وجمالكِ الداخلي والخارجي؟
الرياضة تُعتبر أداة قوية لتعزيز الثقة بالنفس وجمال الروح والجسد. عندما نمارس الرياضة، نحن لا نكتسب فقط اللياقة البدنية، بل نحرّر أيضاً هرمونات السعادة التي تملأ قلوبنا بالطاقة الإيجابية. هذه الطاقة الداخلية تعزّز شعورنا بالرضا عن أنفسنا، مما ينعكس على مظهرنا الخارجي، فنبدو أكثر إشراقاً وحيوية.
علاوة على ذلك، تعزّز ممارسة الرياضة من إحساسنا بالقدرة والتحكم، مما يساهم في بناء ثقتنا بأنفسنا، فعندما نحقق أهدافاً رياضية، حتى وإن كانت بسيطة، نشعر بالفخر والإنجاز. هذا الشعور يتغلغل في حياتنا اليومية، ويجعلنا نواجه التحديات بروح إيجابية.
باختصار، الرياضة رحلة تنمية ذاتية تُعيد تشكيل طريقة رؤيتنا لأنفسنا، وتضفي جمالاً داخلياً وخارجياً، مما يجعلنا نعيش حياة أكثر توازناً وسعادة.
في الختام، كيف ترين نفسك بعد خمس سنوات من الآن، ما هي خططك المستقبلية، وكيف تأملين أن تستمري في تطوير رياضة التزلج في المملكة؟
بعد خمس سنوات، أتمنى أن أكون جزءًا فعالاً ومؤثراً في تطوير رياضة التزلج في المملكة، مستفيدة من المشاريع الواعدة مثل “تروجينا”، الوجهة الأولى للتزلج على الجليد في الهواء الطلق. هذا المشروع لا يمثل مجرد وجهة ترفيهية، بل هو رمز لطموحنا في تعزيز ثقافة الرياضة في بلادنا، خصوصاً مع استضافة الألعاب الآسيوية في العام 2028.
أطمح لأن أكون جسراً بين الماضي والمستقبل، حيث أسعى ليس فقط لتعزيز مكانة رياضة التزلج، بل أيضاً لتحفيز الجيل الجديد على الانخراط فيها. آمل أن أساهم في خلق بيئة ملهمة تدعم المواهب الشابة، وأن أكون مصدر إلهام لكل من يسعى لتحقيق أحلامه في هذا المجال.
في النهاية، أرى نفسي كجزء من حركة أكبر تهدف إلى نشر الوعي حول أهمية الرياضة في الحياة اليومية، ولإظهار أن التزلج ليست مجرد رياضة، بل هي أسلوب حياة يساهم في بناء مجتمع صحي ومؤثر.