كيف تسلّلت روائح الشرق إلى دور العطور العالمية؟ سؤال يتردد في أذهاننا بكثرة، خاصةً وأن هذه العطور باتت تنافس أفخم العلامات العالمية في يومنا هذا.
صناعة العطور العربية تعود أصولها إلى العصور القديمة، فهي كانت تستخدم لأغراض متعددة في البداية، حتى استطاعت الوصول إلى مكانتها الحالية اليوم، بفضل روائحها الفريدة والفخمة.
صناعة الروائح الشرقية: من الاستخدامات الشخصية إلى المنافسة العالمية
يعود تاريخ الروائح الشرقية إلى آلاف السنين، فهي اعتبرت منذ البداية كفن من الفنون العربية، حيث تم ابتكارها للإستخدامات الشخصية، من ثم للإحتفالات الرسمية والمناسبات الدينية.
لكن هذه الصناعة تطورت بشكٍل ملحوظ وسريع في العالم العربي وعبر العصور، لتصبح اليوم من أبرز واهم الصناعات الفاخرة والتي تنافس بها الصناعات العالمية.
في بداية ظهور الروائح الشرقية، كان يتم استخدام المكونات الطبيعية مثل العود والورد والمسك في صناعة العطور، التي كانت تصنع يدويًا بمهارة وحرفية عالية، وكانت محدودة الانتاج وتكلفة عالية. ومع مرور الوقت، بدأت التقنيات في صناعة العطور تتطور وتتطور، مما أدى إلى ابتكار عطور فريدة ومبتكرة.
وواكبت هذه العملية الإنتاجية عبر العصور، استخدام أحدث التقنيات وأبرز المكونات ذات الجودة الفاخرة، حيث تمتاز العطور العربية برائحتها القوية والفريدة والمميزة، ما جعلها في مصاف أفضل العطور في العالم، ويبدو أن الفضل يعود إلى ابتكارات العطارين العرب، الذين حاولول جاهدين منذ آلاف السنين تقديم عطورات تعكس تراثهم الثقافي والتاريخي بشكل مميز.
ما يميّز العطورات العربية عن غيرها، كونها مزيج من المكونات الطبيعية، مثل العود والورد والزعفران وغيرها، حيث تعتبر قيمة ثقافية وفنية، لأنها تعكس التراث العربي الغني وتعبر عنه بالذوق الرفيع والاهتمام بالتفاصيل.
للوصول إلى الجذور المبكرة للعطور في المنطقة العربية، يجب الرجوع إلى ما يقرب من 1200 عامًا قبل الميلاد، وتحديدًا في بلاد ما بين النهرين، وفقًا لبحث أجرته شيريدا هوليهان وجون إتش ووتز لمجلة التعليم الكيميائي، فقد قامت أول كيميائية وصانعة عطور مسجلة في العالم (وهي امرأة تدعى تابوتي) بتحضير أول تركيبة عطر في التاريخ، مما جعل العراق مهد العطور المسجل. . يشير التقرير إلى أن تابوتي استخدمت روائح لا تزال تحظى بشعبية كبيرة في صناعة العطور، مثل نبات السعد والمر والبلسم.
علاوة على ذلك، وجدت الأبحاث التي أجراها مؤرخو الشرق الأوسط، امثال عمار زوهار لمجلة الجمعية الملكية الآسيوية أن روائح مثل القرفة والياسمين واللبان والزعفران والورد قد تم ذكرها في وصفات العطور الشرق أوسطية المسجلة منذ عام 801 م. كما يشير التقرير أيضًا إلى أنه حتى العلامات المبكرة لمفهوم بنية العطور في العصر الحديث (المكونات العليا والقلب والقاعدة) ظهرت أيضًا في نصوص الشرق الأوسط القديمة، والتي تمت الإشارة إليها باسم “الرئيسي” و”الثانوي”. حيث تضمنت المكونات الرئيسية المسك والعنبر وخشب العود (المكون الرئيسي للعود) والكافور والزعفران، في حين تضمنت المكونات الثانوية النباتات والأعشاب والتوابل مثل الناردين والقرنفل وخشب الصندل والصولجان (الصولجان هو نوع من البهارات يشبه جوزة الطيب). وقد يهمكِ معرفة العطور المفضّلة لدى أهم النجمات العالميات!
أسرار العود في العطور العربية
يعتبر العود من ابرز مكونات العطور العربية، التي استطاعت الدخول إلى البوابة العالمية، بصفتها الشرقية. فهذا العود في البداية يستخرج من خشب شجرة آجار الاستوائيّة، التي كانت تنمو في منطقة آسام في الهند، وانتشرت زراعتها لاحقًا في جنوب شرق آسيا. بفعل العوامل الخارجيّة يتحوّل هذا الخشب إلى عيدان صغيرة تفوح منها رائحة آخاذة، عرفت بالعود. في البداية، انحصرت استخداماته في دهن العود أو الزيوت، عن طريق تقطير الخشب، أو ذوبان الزبيب. ولاحقًا صار للعود أهمية غير مسبوقة، وهو ما يفسّر وجوده بكثافة في سوق العطورات العالمية.
ماركات عالمية تعتمد على العود في انتاج روائحها
يشهد سوق العطور المزدهر في الشرق الأوسط وفقًا لشركة ماكينزي آند كو، نموًا قويًا وملحوظًا. حيث تبلغ إيراداته بقيمة 4.5 مليار دولار في عام 2022، مما يمثل قفزة بنسبة 19٪ عن عام 2021، كما تشير التوقعات إلى مزيد من التوسع بين عامي 2024 و2032، يتوقع المحللون أن يشهد السوق طفرة، مع معدل نمو سنوي مركب متوقع يبلغ 7.5%. وبحلول نهاية العقد، من المتوقع أن يصل حجم الصناعة إلى 5.4 مليار دولار أمريكي، مدفوعًا في المقام الأول بالنمو القوي في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وهو ما يفسّر بروز مكوّنات عربيّة أصبحت ضرورية في تركيب أفخم العطور في العالم.
ويبدو أن منافسة العطور الشرقية وروائح العود، ووصولها إلى العالمية، جعل الطلب المتزايد عليها يتجاوز الروائح المستخرجة من العود، مما أشعل منافسة شرسة على نطاق عالمي.
حيث كان الطلب في البداية مقتصر على دول الخليج والمناطق المجاورة، لكنه اليوم استحوذ على السوق الغربية، مدفوعًا بجاذبية عطر Oud Wood من توم فورد.
هذا العطر الذي تم إطلاقه عام 2007 كجزء من مجموعة Private Blend المرموقة، وقد أثار اهتمامًا كبيرًا بين المبدعين والعلامات التجارية الأوروبية والأمريكية، مما دفعهم إلى التعمق في الروائح العطرية الشرقية وتنويع مشهد السوق.
في الختام، قد يهمكِ معرفة أفضل العطور النسائية لرائحة إستثنائية.