نخبرك اليوم عن تفاصيل حكاية إيف سان لوران وعشقه لبلاد المغرب، وكيف جعلت منه إنساناً مختلفاً، فطالما كانت تصاميم الأزياء مرآة تعكس جزء كبير عن حياة كل مصمم، تكشف لنا خبايا وأسرار عن شخصيته ونشأته ومشاعره، وهذا تماما ما حصل مع المصمم الفرنسي الذي ألهمنا بتصاميمه وأقواله.
مهما كان الخيال الإبداعي الذي يعتمد عليه المصمم فحتماً سنجد صورة واقعية تظهر من خلال تصاميمه تحكي عن جزءا مهما من حياته، وعن كل شخص وبلد وموقف ترك في شخصيته انطباعا واضحا تأثر به ووجدناه بتصاميمه. الأمر قد ينطبق بشكل واضح في علاقة مصمم الأزياء الراحل إيف ماتيو سان لوران صاحب دار سان لوران الشهيرة وعلاقته ببلاد المغرب، التي جعلت منه إنساناً مختلفاً وتركت أثراً واضحا في تصاميمه حتى هذا اليوم.
لم تكن مجرد زيارة سياحية
كانت أوّل زيارة للمصمم الإبداعي إإيف سان لوران للمغرب في منتصف ستينات القرن الماضي، تحديداً في عام 1966، وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، حينما رشحت صديقة له بزيارة البلاد، خصوصا وأنها لا تختلف كثير عن موطن نشأته الجزائر.
وسافر سان لوران بالفعل مع صديقه وشريكه آنذاك بيير بيرجي، ووقعا في غرام المدينة وقررا على الفور شراء منزل صغير في المدينة “دار الحنش” أو بيت الثعبان الذي كان عبارة عن منزل صغير تم تزيينه بشكل متواضع بالطاولات والكراسي البسيطة التي تم شرائها من السوق.
ومنذ ذلك الوقت، صار يسافر أكثر من مرة إلى المغرب بشكل خاص في شهري ديسمبر ويونيو من أجل الحصول على أفكار إبداعية خاصة بتصاميمه، حيث كان يقوم بوضع بذور أفكاره في المغرب ويستكملها في باريس كي يحصل على الإلهام لمجموعته. وهنا نستذكر موضوع عن أكسسوارات مميزة من Saint Laurent تزيدكِ تميزًا.
المغرب هي السر وراء الألوان المُفعمة بالحيوية لمجموعات سان لوران
يقول سان لوران في أحد حواراته عن رحلاته للمغرب التالي:”بمجرد أن أصبحت حساسًا للضوء والألوان، لاحظت بشكل خاص الضوء على الألوان، في كل زاوية من شوارع مراكش، تقابلها مجموعات مفعمة بالحيوية بشكل مدهش من الرجال والنساء، الذين يبرزون في مزيج من اللون الوردي والأزرق والأخضر والبنفسجي، والتي تظهر بقوة مع القفطان”.
كثيراً ما كان يتحدث سان لوران عن تأثره بالمغرب وبشكل خاص بمدينة مراكش، إذ أشار أن تصاميمه في البداية كانت عبارة عن قطع من ألوان الأبيض والأسود والرمادي، ولكن عند زيارته لتلك البلد، اكتشف أن اللون الرمادي على سبيل المثال من الممكن أن يتحوّل لأكثر من درجة مختلفة باختلاف ضوء الليل والنهار وسطوع الشمس والقمر، علاوة على أسواق المدينة الجذابة المليئة بألوان الأعشاب المختلفة، وكراسي المقاهي الملونة، والبيوت الزرقاء، والجلاليب والقفاطين المُلونة والمُطرزة التي يرتديها الرجال والنساء في البلد، إذ أصبح كل هذا بمثابة نافذة جديدة أطلّ منها سان لوران ليقدّم لنا بدل توكسيدو بألوان جذابة لا تقتصر على الأسود فقط، وظهور درجات أخرى كالأزرق والأحمر والبرتقالي وغيرها من الدرجات المُفعمة بالحيوية المُستوحاة من أساس وطابع المدينة.
شراء المزيد من الممتلكات في المغرب
“لقد كان المغرب هو المكان الذي كنا فيه الأسعد” تعتبر تلك أحد المقولات الشهيرة لـ بيير بيرجي أثناء أحد حواراته الصحفية بالحديث عن سفره هو وصديقه سان لوران للمغرب.
ولهذا لم يكتفيا بشراء منزل دار الحنش، ففي عام 1974، اشترى إيف سان لوران وبيير بيرجي دار السعادة، “بيت السعادة في الصفاء”، في مراكش، وتم تكليف صديقهما بيل ويليس بالديكور الداخلي، حيث كان يقع بالقرب من حديقة ماجوريل التي يتردد عليها سان لوران وبيرجي، والتي تم شرائها بعد ذلك لتصبح مصدر إلهام آخر لـ سان لوران.
حديقة ماجوريل مصدر إلهام آخر لمجموعات سان لوران ومتحف يؤرخ رحلته للمغرب
في عام 1980، علموا أن حديقة ماجوريل القريبة من منزلهم مهددة من قبل مشروع تطوير عقاري، وقرروا الاستحواذ على الحديقة والفيلا المجاورة التي كانت معروفة باسم فيلا “الواحة”، التي كانت مملوكة للرسام جاك ماجوريل، وقاموا معًا بترميم الحديقة وإنشاء متحف للفن الإسلامي وفي عام 2011، تم تحويل المتحف إلى متحف للفن الأمازيغي.
بالقرب من الحديقة، أنشئ متحف خاص “متحف البربر” يعرض بعض أعمال سان لوران، تم افتتاحه في أكتوبر عام 2017، وقال بيير بيرجي عن إنشاء المتحف للصحف في ذلك الوقت “كان من الطبيعي بناء متحف مخصص لعمل إيف سان لوران في المغرب، لأنه مدين – حتى في ألوان وأشكال ملابسه – بالكثير إلى البلاد”، وحصل المتحف على جائزة أفضل متحف في يناير 2018 من مجلة Wallpaper العالمية للتصميم البريطاني.
ويعرض المتحف الكثير من أعمال سان لوران لأشهر تصاميمه من أزياء وإكسسوارات، مع عروض سنوية لأعمال فوتوغرافية توضح علاقته بعالم الموضة، مع جزء خاص يحكي عن قصة حياته.
كما نجد بالمتحف الكثير من التصاميم الخاصة بالفساتين الملونة التي استلهمها سان لوران من أسواق مراكش، مع الموديلات الواسعة والأقمشة مع الرسومات الفلكورية وتلك المزينة بالورود من الساتان مستوحاة من الجلاليب والقفاطين النسائية، يصحبها إكسسوارات ذهبية ونحاسية فخمة من الأساور والقلادات الضخمة، التي ما زالت تقدّمها الدار حتى يومنا هذا.
أحبّ المغرب حتّى الرمق الأخير
بعد رحيله، نثر أصدقاء ايف سان لوران رماده في الحديقة في مراكش وجد فيها مصمم الازياء العالمي الالهام والمكان الذي ينأى فيه بنفسه عن أضواء الشهرة، وكأنّ روحه أبت أن تفارقها لو مهما حصل.
ونختم بموضوع عن صورة نادرة من دفن كريستيان ديور تظهر تأثّر تلميذه إيف سان لوران