سعدت ياسمينة بلقاء بدور الصالح أول مرشدة كهوف سعودية، والتي ستكشف لنا في هذا الحوار منظور مختلف عن السياحة.
بدأت المرشدة السياحية بدور الصالح مسيرتها في عالم الكهوف عام 2018، بعد أن حصلت على رخصة مرشدة كهوف ليكون لها السبق كسيدة سعودية في هذا المجال المثير، الذي تعمل جاهدة على إبرازه كإرث عريق لكل المهتمين بالسياحة داخل وخارج المملكة، لتنضم بذلك إلى قائمة الرحّالات السعوديات اللواتي جُلّن ربوع الوطن وصورنّ أرجاءها بكل حب.
ارتبطت الكهوف محليًا بشكل شعبي بقصص وأساطير الجن والأصوات المجهولة والمخلوقات الغريبة هل لازال هذا الهاجس غالبًا عند الناس، وكيف يمكننا تغيير هذه النظرة؟
هذا صحيح، ولا زال هذا الاعتقاد موجودًا ولا نستطيع تغيره بشكل تام من أذهان الناس، وبحسب خبرتي في مجال الإرشاد السياحي فأنا أُصنف السُياح إلى ثلاث فئات رئيسيه فيما يتعلق بزيارة الكهوف: أولهم النوع المغامر الذي يعشق التحدي والإثارة وهم من أكثر الأشخاص الملائمين لزيارة الكهوف، والنوع الثاني هم ممن لديهم الحافز لخوض تجربة مختلفة وجديدة ولكنهم يحتاجون إلى مرشد لتقويتهم وتشجيعهم لخوض هذه التجربة التي ستضيف بصمة لحياتهم وستعني لهم الكثير، أما النوع الثالث فهو الأصعب والذي يعارض خوض التجربة ولديه مخاوف عميقة من الأساطير القديمة، وفي ذات الوقت لديه فضول لطرح الأسئلة حول التجربة، ونستطيع إقناع نسبة 5% منهم فقط لخوض تجربة زيارة الكهوف.
بادرت بشكل متواضع في مساعدة الناس على الاستدلال على الكهوف
وفي الحقيقة لا يمكننا أن نغير هذه النظرة نهائيًا عن الكهوف، ولكننا نستطيع تشويّق الناس بإبراز المناظر الجمالية وروعة خوض التجربة، وأعتقد إن أصبحت كهوفنا مزارًا عالميًا معروفًا فبلا شك ستكون مناسبة لزيارة الجميع وبذلك سنقضي على كل الأفكار السلبية حول عالم الكهوف.
لاتزال هناك العديد من الكهوف التي لم يتم اكتشافها في المملكة، ما هي آلية اكتشاف الكهوف، وما هو دورك في مساعدة المكتشفين على للاستدلال عليها؟
مملكتنا الحبيبة مليئة بالأسرار والاكتشافات في جميع مناطقها، وتُعد مهمة اكتشاف هذه المواقع من دور هيئة المساحة الجيولوجية كون لديها مختصين وباحثين محترفين في هذا المجال، كما أن لوزارة البيئة والمياه والزراعة أيضاً دورًا هامًا برصد عدد الكهوف وتصنيف أنواعها، كما لا يمكننا أن نغفل عن دور المغامرين والرحالة في اكتشاف الكهوف وإبلاغ الجهات المعنية عنها، فالدور من وجهة نظري تكاملي لا يقتصر على جهة معينة، فكل الجهات تصب اهتمامها في خدمة هذا الوطن، وكمرشدة في هذا المجال كانت لدي مبادرات متواضعة بوضع لوحات بأسماء الكهوف المعتمدة للزيارة، وكذلك إضافة مواقع الكهوف على الخرائط لتسهيل الوصول إليها وتقليل المخاطر، إضافة إلى مبادراتي في عمليات خاصة بتنظيف الكهوف مع مجموعة من المتطوعين للحفاظ عليها.
للتواصل مع الطبيعة أثر إيجابي عميق على النفس والروح، وهذا ما صرّحت عنه في رحلة “درب زبيدة” فحدثينا عن هذا الجانب التأملي المغذي للجسد والروح؟
“درب زبيدة” وما أدرك ما درب زبيدة؟ رحلة ستبقى عالقة بذهني لسنين قادمه أنا ومن رافقني في الرحلة، التي امتدت من مدينة الكوفة في العراق شمالًا مرورًا بشمال السعودية ووسطها، وصولًا إلى مكة المكرمة، خضنا في هذه الرحلة ذكريات تاريخية لطريق الحج الذي أنشأته السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد، والذي قطعنا فيه خمس مناطق إدارية في المملكة من: الحدود الشمالية، وحائل، والقصيم، والمدينة المنورة، وأخيرًا مكة المكرمة.
تجربة “درب زبيدة” من أروع التجارب التي هذبت نفوسنا
امتدت رحلتي بمنطقة حائل على مدى 14 يومًا مشيًا على الأقدام، مررنا من خلالها بتضاريس متنوعة وخلابة من سلسلة جبال “أجا” الشامخة، وعيون المياه، والوديان الجافة، شاهدنا فيها لوحات طبيعية ساحرة وعايشنا فيها مُختلف أنواع المناخ من حرارة وبرودة وأمطار وثلوج، وكان لهذه الرحلة أثرًا عميقًا فبها تهذبت أنفسنا من ترف الحياة، وواجهنا الاختبار الحقيقي لقدراتنا على التحمل والصبر، متأملين دقة خلق الله عز وجل وإبداعه في الكون، وبلا شك كانت تجربة مثرية جدًا تعرفنا من خلالها على رفقاء مختلفين في طرق تكيفهم وثقافاتهم وعاداتهم وجنسياتهم، بقيادة الأب قائد وصاحب المبادرة الدكتور عبد العزيز العبيداء الذي أوجه له شكري العميق لعيش هذه التجربة التأملية العظيمة التي يفوق أثرها بمراحل عن جلسات اليوغا وغيرها.
يتعامل الكثير من السياح مع الأماكن الجبلية والكهوف بطريقة غير حضارية من خلال الكتابة على الصخور ورمي المخلفات، ما هو دورك في التوعية والإرشاد للحفاظ على هذه الثروة السياحية؟
مع الأسف هذا ما يحدث بالفعل، فهناك أشخاص سلبين غير محافظين على الطبيعة، وفي الجهة الأخرى هناك من يحب الطبيعة ويحافظ عليها، ونحاول باجتهاداتنا رفع الوعي من خلال اللقاءات والبرامج التلفزيونية، والحملات التطوعية لتنظيف الكهوف.
أشجع على زيارة كهوف المنطقة الجنوبية في فصل الصيف
هل يشهد موسم الصيف توجهًا لاستكشاف الكهوف في المملكة، وما هي الكهوف التي يمكن زيارتها في هذه الفترة؟
تقل في فترة الصيف هذه الرحلات في المنطقة الوسطى والمنطقة الغربية تبعًا لارتفاع درجة الحرارة، ويتم التركيز في الرحلات على المنطقة الجنوبية التي تتميز بمناخ كهوفها المعتدل الذي تتراوح درجات الحرارة داخله ما بين 24 إلى 26 درجة، باختلاف نسبة الرطوبة، وأنصح بشدة زيارة هذه الكهوف لمن لم يسبق له خوض هذه التجربة.
رؤية 2030 مكنتنا كسيدات في مجالات كان يستحيل علينا الخوض بها
على مدى مسيرتك في هذا العالم ما الذي اكتسبته من ناحية شخصية ومهنية؟
على الصعيد الشخصي اكتسبت الكثير من الايجابيات وعلى رأسها عرفت أن قدراتي تفوق ما كنت أعتقد أنني أستطيع فعله، وأصبح لدي بُعد نظر أكثر، وإمكانية تحمل وصبر لمختلف المواقف والصعوبات، وقد استوعبت أن المشاكل مهما بدأت كبيرة فسوف تصغُر، وبتجاربي الشخصية اكتسبت محبة الناس، واستشعرت بقيمة مساعدة الآخرين، وتمكنت بكل فخر كسر الحواجز والمخاوف القديمة، ونما لدي شعور تقدير النعم.
أما من الناحية المهنية فكلي امتنان وشكر لمولاي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده القائد المُلهم محمد بن سلمان_ حفظهما الله_ للدعم والدور الكبير الذي قُدم لتمكين المرأة في هذه المجالات من خلال رؤية المملكة 2030، والتي كانت مستحيلة منذ زمن، ويكفيني فخرًا أن أكون أيقونة مميزة للكهوف في السعودية، وأن أحمل لقب أول مرشدة كهوف في السعودية.
وفي ختام حوارنا لن ننسى أن نذكرك أيضًا بواحدة من الرحالات والمهتمات في مجال السياحة في المملكة ألا وهي المدونة والرحالة السعوديّة ندى النهدي فألقي نظرة على لقاءنا معها.