أولمبياد باريس 2024: تحدٍّ جديد يكشف معاناة الرياضيات مع الدورة الشهرية

أولمبياد باريس 2024

أولمبياد باريس 2024 ليست مجرّد دورة ألعاب تشهد تنافساً بين المتسابقين، فقد كشفت عن الكثير من المعاناة التي تشعر بها المتنافسات على وجه الخصوص، بسبب ما يتعرّضن له من مشاكل وإحراج لمجرد تغيّرات فيزيولوجية طبيعية.

ias

وكنا قد حدّثناكَ عن رياضيات عربيات ألهمنّ العالم في أولمبياد باريس 2024، رغم أن الدورة تروّج لنفسها باعتبارها أول دورة تحقق التكافؤ الكامل بين الجنسين، إلا أن قصّة اللاعبة المصرية سلطت الضوء مرة أخرى على أمر لم نكن نتوقعه!

ما الذي حدث مع اللاعبة المصريّة يمنى عيّاد؟

اضطرت لاعبة الملاكمة المصرية يمنى عياد للانسحاب من المنافسات خلال أولمبياد باريس 2024، وذلك بسبب زيادة وزنها 700 غرام عن الوزن الرسمي لها، ولكن هذه ليست المشكلة، بل يكمن الأمر في بيان اللجنة الأولمبية للاتحاد المصري للملاكمة، والذي أشار إلى أن اللاعبة البالغة من العمر 19 عاماً خضعت للميزان قبل المنافسات بساعات، وتم خضوعها للوزن مرة أخرى قبل المباراة لتكتشف زيادة 700 غرام، ليتم استبعادها من الأولمبياد.

وأوضحت اللجنة أن اللاعبة فوجئت بتغيّرات فيزولوجية وهرمونية مفهومة لكل السيدات والآنسات والأطباء، مع التحفظ على ذكر التفاصيل طبقاً للأعراف والتقاليد المصرية، وحفاظاً على حقوق ونفسية اللاعبة.

ورغم أنه كان هناك تقرير تفصيلي من اللجنة الطبية يؤكد على عدم توجيه أي مسؤولية للاعبة والجهاز الفني والإداري، إلا أن فكرة عدم الإشارة لـ “الدورة الشهرية” وإطلاق البيان بهذه الصيغة يجعلنا نشعر أن التعامل مع هذا التغيّر الطبيعي الذي يحدث للنساء وكأنه “عيب”!

هل ما قدّمته دورة الألعاب الأولمبية لهذا العام كافياً للنساء؟

اهتمّت دورة أولمبياد باريس 2024 بضرورة تحقيق التكافؤ بشكل واضح بين الجنسين، بداية من وجود عدد متساوٍ من المنافسين بين الذكور والإناث، علاوة على أن القرية الأولمبية مزودة بمنتجات خاصة للدورة الشهرية، وشاركت علامات تجارية بهذا الأمر، كنوع من التسويق والتشجيع في نفس الوقت عن التحدث عن الدورة الشهرية كأمر طبيعي لا داعي للخجل منه.

ليست المرّة الأولى التي تتسبب خلالها الدورة الشهرية في استبعاد المتنافسات

الجدير بالذكر أن لاعبة الملاكمة المصرية يمنى عياد ليست الأولى التي أعاقتها الدورة الشهرية عن المشاركة والفوز، فمنذ حوالي 8 سنوات، تحديداً في أولمبياد ريو 2016، أوضحت فو يوانهوي على التلفزيون الصيني الرسمي للدولة، بأنها فشلت في الصعود لمنصة التتويج في نهائي سباق التتابع المختلط 4 × 100 متر للسيدات، وجاءت في المركز الرابع، وقالت بكل وضوح وبساطة “في الواقع، بدأت دورتي الشهرية مساء أمس” وأضافت “لهذا السبب أشعر بالضعف والتعب الشديدين، لكن هذا ليس عذرًا. في نهاية المطاف، لم أسبح جيدًا”.

وأصبحت فو يوانهوي آنذاك حديث مواقع التواصل، إذ تعتبر من أوّل النساء اللواتي كسرن هذا الحاجز بذلك الوضوح، خصوصاً وأن الحديث عن الدورة الشهرية التي تأتي للنساء أثناء فترة الأولمبياد كان أمراً غير مطروحاً بهذا الشكل.

أعراف وتقاليد المجتمع تقيّد المتنافسات من حرية الحديث عن دورتهن الشهرية

رغم أن نصف الرياضيين المشاركين من النساء، وبينهنّ لاعبات سعوديات برزن في أولمبياد باريس 2024، مازال الحديث عن الدورة الشهرية أمر مُحرم، وأثبت ذلك بيان هيئة الاتحاد المصري الذي أوضحناه في السابق. ولكن يبدو أن الأعراف والتقاليد لا تتعلق بالعالم العربي فقط، بل إن النساء في جميع أنحاء العالم لديهن نفس المشكلة!

وأوضحت لاعبة “الركبي” الأميركية إيلونا ماهر، في مقطع فيديو نشرته على “تيك توك”، أنها بالرغم عدم توقع دورتها الشهرية، إلا أنها لا تزال تحمل نحو 50 سدادة قطنية وخمسة أزواج من الملابس الداخلية الخاصة بالدورة الشهرية إلى باريس.

@ilonamaher

#stitch with @I Support the Girls we still get our periods even at the Olympics @paris2024 @Team USA @KNIX

♬ original sound – Ilona Maher

كذلك، أوضحت سوزان أوتش، 58 عامًا، لاعبة التزلج السريع السابقة في المنتخب الوطني الأولمبي والفائزة بثلاث ميداليات أولمبية، خلال برنامج Information Morning Manitoba على راديو CBC في وقت سابق من هذا الأسبوع أنه في تجربتها الرياضية السابقة، كان من “النادر جدًا” أن تتحدث اللاعبات عن الدورة الشهرية، حتى مع بعضهن البعض، وأضافت إن الأمر كان مشكلة كبيرة ومحرجة، ومن الرائع أن يتم تسليط الضوء على هذا الأمر.

وقالت أوتش إن هناك أوقاتاً كان من الطبيعي أن تتزامن دورتها الشهرية مع أحد البطولات، وذكرت أنها ذات مرة في بطولة نسائية، دفعت نفسها بقوّة أثناء التزلج، وأشارت إلى أنها كانت تتدحرج على الأرض من شدة الألم، وبذلك مجهوداً بدنياً مضاعفاً بسبب الدورة الشهرية.

ورغم أن العالم الآن بدأ بالحديث عن الدورة الشهرية، إلا أن أشليسون ساندماير جريفز، الرئيسة التنفيذية للمنظمة الوطنية الكندية للنساء والرياضة ترى أننا مازلنا بعيدين كل البعد عن إزالة وصمة العار عن المتنافسات، ومازال العالم لا يفهم المعاناة والتحديات التي تواجهها النساء من الدورة الشهرية في الرياضة، بحسب ما أوضحته أليسون لـ CBC News.

الدورة الشهرية قد تعيق تفكير اللاعبات وتركيزهن أثناء المبارايات

الأمر لا يتعلق بالمجهود البدني والألم الجسدي الذي تشعر به اللاعبات، بل يتعلق أيضاً بفكرة تشتت الانتباه للرياضيات، خاصة إن كان ستيعين على اللاعبة ارتداء ملابس بيضاء، أو كاشفة قليلاً حسب اللعبة، مما سيجعلها قلقة طوال فترة اللعب، بسبب الخوف من النزيف أو ظهور أي بقع حمراء على ملابسها أمام الجمهور!

الدراسات غير منصفة على الإطلاق!

لم يكن هناك دراسات عديدة تسّلط الضوء على هذا الأمر، ومع الأسف كانت غالبية الدراسات التي تتعلق بالمجهود البدني أو التركيز تتعلق فقط بالرجال، ولكن هناك بصيص من الأمل لدراسات قليلة جداً توضح تأثير الدورة الشهرية على النساء أثناء المشاركة في البطولات، أو التدريبات الرياضية للاعبات بشكل عام.

فقد وجدت إحدى الدراسات، التي نُشرت عام 2022 في مجلة Science and Medicine in Football، أن الدورة الشهرية كان لها “تأثير سلبي واضح على الأداء” لدى 15 لاعبة من النخبة اللواتي أجرى الباحثون مقابلات معهم، وارتبط التأثير السلبي بالشعور بالتعب وقلة التركيز.

وفي دراسة أخرى عام 2022، وجدت Canadian Women & Sport أن 25% من 4500 امرأة في الاستطلاع قالوا إن الدورة الشهرية تحد من مشاركتهم في الرياضة. وتظهر الدراسات أيضًا أن الفتيات لا ينتظمن في الرياضة بمعدل يزيد الضعف عن الرجال بسبب الدورة الشهرية، التي تعتبر واحدة من أكبر العقبات.

العلامات التجارية تشارك في حل الأزمة

تحاول النساء إيجاد بعض الحلول فيما يتعلق بارتداء الملابس أثناء اللعب، على سبيل المثال قام فريق كندا في كأس العالم للسيدات، العام الماضي، بارتداء منتجاً جديداً من شركة نايكي، تم تصمميه ببطانة مصممة للحد من تسرب الدورة الشهرية.

ومؤخراً غيّرت بطولة ويمبلدون لكرة المضرب قاعدة الملابس البيضاء للاعبات التنسن حيث سمحت بارتداء السراويل الداخلية السوداء أو الداكنة، من أجل مساعدة اللاعبات على التركيز بشكل بحت على أدائهن من خلال تخفيف أي مصدر محتمل للقلق.

نظرة على نصف الكوب الممتلئ.. الاعتراف بالدورة الشهرية دون خجل

أضافت أشليسون ساندماير جريفز، الرئيسة التنفيذية للمنظمة الوطنية الكندية للنساء والرياضة، إنه من غير الواقعي أن تكسر دورة الألعاب الأوليمبية قواعدها الخاصة بشكل كامل من أجل الدورة الشهرية، ولكن الاعتراف والقبول بها والحديث عنها، هو أمر إيجابي للاعتراف بأن النساء لديهن فترات دورة شهرية يحتاجن فيها إلى الدعم، فالدورة الشهرية الصحية جزء من الجسم السليم.

ولهذا نتوقع بعد حادث يمنى عياد أن يكون هناك نوع من التفهم والرحمة للنساء، وتقبل فكرة الحديث عن الدورة الشهرية بعيداً عن كونها “عار أو عيب” نخجل من الإشارة إليه.

تسجّلي في نشرة ياسمينة

واكبي كل جديد في عالم الموضة والأزياء وتابعي أجدد ابتكارات العناية بالجمال والمكياج في نشرتنا الأسبوعية