ما سنراه في مهرجان كان السينمائي يدعم منحى أنّ الفيلم ينتمي إلى جهة إنتاجه الغالبة، وليس إلى أي فرد فيه حتى ولو كان مخرجاً. ومهرجان كان الذي انطلق هذا الشهر يأتي بدوره تأكيداً على ذلك.
رغم أن مهرجان كان السينمائي بدورته الـ77 يشهد عرض أربعة أفلام مدعومة من مؤسسة البحر الأحمر، إلا أنه هناك 6 أفلام عربية، في حين أن هناك فيلماً واحداً بينها عربي بالفعل، الباقية تختلف، لكن ليس من بينها ما هو إنتاج عربي فعلي، سأحدثك عنها تباعًا.
هوية الأفلام في مهرجان كان السينمائي
يزداد الخلاف في وصف هوية الفيلم العربي. هل يكون عربياً إذا كان مخرجه من أصل عربي؟ هل يكون عربياً إذا كان تمويله آتٍ، في غالبه، من الغرب؟ هل هو فيلم عربي إذا كانت أحداثه تقع في الغرب؟ أو هو ما زال فيلماً عربياً إذا كان المخرج عربياً وشخصياته فرنسية أو كندية أو هندية؟
إلى ذلك، هل يكفي أن يكون المخرج عربياً، أو من أصول عربية، لاعتبار أن أي فيلم ينجزه هو عربي؟ هذا السؤال الأخير ليس جديداً، لكن كثيرين من النقاد العرب إعتبروا ذلك كافياً على أساس أن هوية الفيلم تتبع المخرج وليس الإنتاج.
أفلام دخلت قائمة مهرجان كان السينمائي
لا بدّ من القول إن السينما السعودية شاركت خارج الإطار الرسمي في عام 2006 عندما عرض المخرج السعودي عبد الله المحيسن فيلمه الروائي “زمن الصمت”. وفي العام نفسه عرضت شركة روتانا فيلمها “كيف الحال”، الذي دارت أحداثه في المملكة من إخراج الكندي (من أصل فلسطيني) إيزادور مسلّم.
“نورة” هو الفيلم الوحيد إنتاجه سعودي بالكامل من قِبل شركة “العلا”، وكان فاز سابقاً بجائزتها الخاصّة في مهرجان البحر الأحمر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. فيلم “نورة” للمخرج توفيق الزايدي واهتمامه بوضع فتاة شابّة في قرية بعيدة عن الحياة المدنية (وفي سنوات عدّة سابقة)، تجد في أستاذ المدرسة المنتدب من المدينة فرصة لتحقيق حلمها بالعيش في مكان آخر ترى منه العالم الذي تطالعه في بعض المجلات الفنية المتاحة لها. موضوعٌ جديرٌ بالاهتمام، صاغ منه الزايدي عملاً يعكس طموحاته جيداً.
أول مشاركة رسمية سعودية
ويدخل مسابقة “قسم نظرة ما” في دورة “كان” العام الحالي بوصفه أول مشاركة رسمية سعودية في المهرجان العريق.
الأفلام الأخرى المعروضة لمخرجين عرب أو من أصول عربية هي، “رفعت عيني للسما” لندى رياض وأيمن الأمير، التمويل فرنسي ويعرض في قسم “أسبوع النقاد”. في المسابقة الرسمية ضمن مهرجان كان السينمائي هناك فيلم للمخرج الكندي (الجزائري الأصل) كريم عينوز عنوانه “موتيل دستينو”.
وهناك فيلمان ناطقان بالعربية معروضان في تظاهرة “نصف شهر المخرجين” هما، “إلى أرض مجهولة” للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل، الذي حصد تمويلاً من بريطانيا واليونان وهولندا، و”شرقي الظُهر” (East of Noon) للمخرجة هالة القوصي وهو من تمويل هولندي بمشاركتين مصرية وقطرية.
مسألة إطلاق التسمية
حقيقة اعتماد معظم هذه الأفلام في مهرجان كان على”معونات”غربية أو تمويل أجنبي كامل، ليس حكماً عليها على الإطلاق. المسألة هي مسألة إطلاق التسمية على أفلام تنتمي إلى دول غير عربية إما جزئياً أو كلياً.
هو اعتمادٌ ناتجٌ عن غياب مظلّة إنتاجية جيدة في معظم دول الإنتاج العربي، تؤمن بالفيلم المحلّي الجاد والفني، الذي يمكن إطلاقه في المحافل والمناسبات العالمية المختلفة. إنه نقصٌ موجودٌ، والحديث فيه يتداخل، والأوضاع والظروف الإنتاجية والاقتصادية والسياسات المحلية التي لا تنصّ في معظم هذه الدول المنتجة، على توفير دعمٍ مدروسٍ للإنتاجات المحلية.
الاستثناء الفعلي في هذا الوضع هو من نصيب السينما السعودية، التي تمكّنت في فترة قصيرة من القفز قُدُماً في مجال صناعة الفيلم السعودي والثقافة السينمائية بوجه عامٍ تبعاً لاهتمامات الدولة ليجعلها تتصدر المشهد اليوم.
القليل معروف عن هذه الأفلام التي لا يجوز الحكم لها أو عليها إلا تبعاً لمستوياتها الفنية، وهذا غير متاح إلا من بعد عروضها الموزّعة على مدار الأيام الـ11 للمهرجان (14 – 25 من الشهر الحالي).
فيلم هالة القوصي
على صعيد آخر، من المهم انتظار فيلم هالة القوصي بكل الاهتمام الذي يستحقه. في الأساس، وبشجاعة محسوبة، صوّرت المخرجة المصرية فيلمها الجديد بالأبيض والأسود (ثاني فيلم عربي حديث يختار الأبيض والأسود للتعبير لجانب “مندوب الليل” للسعودي علي الكُلثمي).
أظهرت هالة القوصي إبداعاً وإتقاناً في فيلمها السابق (الروائي الطويل الأول لها) “زهرة الصبار” (2017)، حين عرضت حياة امرأة شابّة (سلمى سامي). ممثلة لا تجد عملاً ولا أمل لها في ذلك. حالياً تمثل إعلاناً إذاعياً. تجول مع جارتها التي طُردت من منزلها (منحة البطراوي)، باحثة عن مأوى لها. وفي الوقت نفسه تلتقي بكاتبين كانت على علاقة معهما: شاب يتحاشى الارتباط بها، والثاني (زكي عبد الوهاب) كاتب مخضرم هي التي تحاشت ذات يوم الارتباط به. لكن المدينة لا تبدو بعد كل ذلك الخيار الصحيح، وها هي تقصد منزل أمّها الريفي، وتجدُ المخرجة هناك فسحة من الوقت لتوسيع رقعة اهتماماتها بإضافة وضع الأم وعلاقتها المتوترة بابنتها، لتخلص المخرجة إلى مشهد تلتقط فيه كاميرا علوية للنساء الثلاث مستلقيات على الحشيش الأخضر في مشهد رومانسي آخر من مشاهدها.
“زهرة الصبّار” جاء مُحاكاً جيداً، فكرة جديدة التناول لا من حيث مفارقاتها فحسب، بل من خلال أماكن حدوثها غير المستهلكة للعين.
فلسطيني في اليونان
أيضاً من المهم الوقوف عند فيلم “إلى أرض مجهولة” لمهدي فليفل، الذي كان قدّم سابقاً فيلماً جيداً عنوانه “عالم ليس لنا” (2012). فيلم تسجيلي عن أحوال ثلاثة أجيال من المهاجرين الفلسطينيين لا يزالون يعيشون بين الأمل والواقع الصعب.
فيلمه الجديد “إلى أرض مجهولة” يختلف عن سابقه حكاية، لكنه ما زال متصلاً بفلسطين من خلال شخصية شاب فلسطيني (محمود بكري) يبحث عن مهرّب سرقه ليستعيد ما هو ملكه. الفلسطيني المهاجر إلى اليونان، حسب الفيلم، يعيش في وضع مزرٍ وليس أمامه سوى الانتقام من الشخص الآخر.
بالنسبة لفيلم نبيل عيّوش “الجميع يحب تودا”، هو دراما خفيفة مؤلّفة من 102 دقيقة، يبدو – ظاهرياً – كما لو كان جزءاً من مسلسل تلفزيوني أنتجته “أمازون” في العام الماضي من إخراج عيوش وبعنوان مشابه.