اليك قصتي مع الحجر الصحي المنزلي الذي اخترته بعد العودة من ميلانو حفاظاً على سلامة المحيطين بي نظراً لسرعة انتشار فيروس كورونا. عدت بعد رحلة عمل استغرقت أسبوعاً كان بدايته طبيعية إلى أن حلّت لعنة الكورونا في اليومين الأخيرين وبدأت السلطات الايطالية باتخاذ اجراءات احترازية، ألغي عرض أزياء أرماني كما ألغي العديد من النشاطات وتم اغلاق الحدائق العامة وحظرت التجمعات، وتبعتها عدة دول في ذلك مثل الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها المملكة ضد كورونا.
أصبحت الأمور أكثر تشويشًا عندما وصلت إلى مطار ميلانو ورحت اتصفح الاخبار لتقع عيناي على تصريح لوزير الصحة اللبناني بالاجراءات المتخذة في مطار بيروت. بدأت نسبة القلق ترتفع والافكار تتصارع في رأسي.
هل أنا مصابة بالفيروس؟ هل سأعود الى بيتي؟ هل سأرى أولادي بعد أسبوع من الغياب؟ هل سيحجرون على ركاب الطائرة جميعاً؟ لم ينشلني من التخبط في أفكاري سوى صوت يعلن فتح بوابة الدخول الى الطائرة.
وصلت الى مطار بيروت والقلق يسيطر علي، ملأت استمارة في الطائرة فيها معلومات عني ورقم هاتفي. تم قياس الحرارة تماما كما في كافة مطارات العالم وتوجهت لملاقاة زوجي الذي كان ينتظرني في الخارج.
لم أصافحه طبعاً ولم أقترب منه حتى، إنما أبقيت على مسافة بيننا وطلبت منه المرور بالصيدلية قبل الوصول الى البيت لشراء كافة المستلزمات والمستحضرات المطهرة والمعقمة.
صدم أولادي باستقبالي لهم ولم يستوعبوا الامر الا بعد ان شرحت لهم أنني لا أعاني من شيء ولكن الحرص واجب إذ من الممكن أنني أحمل الفيروس معي ولا أريد أن انقل لهم العدوى وأطلعتهم على معلومات جديدة عليهم معرفتها عن فيروس كورونا. عزلت نفسي واغراضي في غرفتي، غسلت ملابسي وحدها وعقمت كل محتويات حقيبة السفر.
> لم أصافحه طبعاً ولم أقترب منه حتى، إنما أبقيت على مسافة بيننا وطلبت منه المرور بالصيدلية قبل الوصول الى البيت لشراء كافة المستلزمات والمستحضرات المطهرة والمعقمة. >
في اليوم التالي اتصلت برئيستي في العمل وأخبرتها عن وضعي التي كانت على دراية تامة به ورحبت بمكوثي في البيت. استعددت للحجر الصحي الذاتي الى حين التأكد أنني لا احمل فيروس كورونا. حسناً سأعمل من المنزل خلال الأسبوعين القادمين!
عادة لا يزعجني بقائي في البيت، بل إنني أفضله في كثير من الاحيان على اي مشروع آخر، ولكن عندما يصبح الامر قصرياً تختلف الرؤية وتنقلب الموازين، ولا يدرك المرء كم هو كائن اجتماعي إلى أن يجبر على التزام المنزل وعدم التواصل المباشر مع الناس.
غسل اليدين المتكرر أصبح عادة، استعمال المعقمات وأدوات التنظيف حاجة ملحّة. تحول الحذر إلى نوع من الوسواس… كيف لا والتوتر والقلق والضغط دائمين. كيف لا ويسيطر علي هوس مراقبة الحرارة والنفس والسعال وأي إشارة تصدر عن جسمي الذي في العادة لا أعيره انتباهاً نظراً لانشغالاتي الكثيرة، وهنا يمكنك التعرف أكثر على أعراض فيروس كورونا وطرق الوقاية منه .
ولكن الهمّ الاكبر بالنسبة لي لم يكن إمكانية إصابتي بالمرض، إنما الخوف من نقله إلى أفراد أسرتي في حال كنت أحمله. ارتديت القفازات ووضعت القناع طيلة الوقت وابتعدت عن اولادي قدر الامكان.
كانت العائلة الكبيرة تطمئن إلى صحتي يومياً عبر الهاتف بالاضافة الى وزارة الصحة التي لم تتقاعس يوماً عن الاتصال للتأكد من أنني لا أعاني أياً من العوارض.
انقضت فترة الحجر الصحي الذاتي ولم يظهر علي أي عارض مرتبط بالفيروس، وعدت الى مركز عملي ولكن الحذر بقي قائماً كذلك الالتزام بالعادات الجديدة من غسل اليدين المتكرر وعدم ملامسة الأسطح وعدم المصافحة والابقاء على مسافة بيني وبين الاخرين.
هذه قصتي باختصار ورغم كل مساوئها والضغط النفسي الذي مررت به، أحببت أن أشاركك بعض ايجابيات الاسبوعين الذين امضيتهما في المنزل:
تركيز تام في العمل:
فانا لا أريد الشعور بالذنب أو التقصير في عملي بما أنني لا أذهب الى المكتب، أعتمدت روتيناً يومياً وخصصت ساعات للعمل أطول من تلك التي كنت امضيها في المكتب. بيجاما طوال اليوم، نعم … أعمل ورجلاي ممددتان، نعم، ولكن لم أسمح بأن يؤثر ذلك في إنتاجيتي.
تنظيف المنزل وتعقيمه:
لم يحظ منزلي بهذه النظافة التامة لمدة أسبوعين متتاليين سابقاً… فروتين التنظيف أولوية ورائحة المعقمات أصبحت عطري المفضل في هذه الفترة.
استقبال الاولاد بعد عودتهم من المدرسة:
من أجمل اللحظات عندي ابتسامة أولادي عندما يرونني في البيت عند عودتهم من المدرسة (قبل أن تقفل هي الاخرى كاجراء احترازي ايضا) صحيح انني احافظ على مسافة بيننا ولكن البقاء بالقرب من اولادي رغم خوفي عليهم اجمل ما في تلك الفترة.
اسبوعان من دون ماكياج:
كانت بمثابة ديتوكس لبشرتي. صحيح أنني لم اعتني بها بالماسكات ولكنني لم اهمل ترطيبها ومنحتها فترة راحة طويلة من الماكياج.
التمتع بالحرية بعد أسبوعين من العزلة:
رائع أن تشعري بحرارة الشمس والهواء يلامسانك ورؤية الشوارع والاشخاص متوجهين الى عملهم في إحدى الصباحات العادية بالنسبة الى كثيرين ولكنها مختلفة ومليئة بالأمل بالنسبة لك.
قبل أن انهي هذه المقالة، دعت المسؤولة جميع الموظفين لتبلغهم بضرورة العمل من المنزل ابتداء من الغد حفاظاً على الصحة العامة ومنعا من امكانية التقاط فيروس كورونا.
التحقت منذ ثلاثة أيام فقط بمركز عملي وها هو الحجر الصحي يعود من جديد….أكتشفي هنا نصائح ضرورية للحجر الصحي.