مرحبا…
أنا دارين بربر، لبنانية أعيش في دبي، أم لولدين إميليو 13 عاما وكايتي 8 أعوام، فقدت ساقي منذ سنوات، وأنا اليوم مدرّبة حياة ومدرّبة شخصية، سعيدة لأنني بدأت أغيّر حياة الناس على أرض الواقع، تماما كما غيّرت حياتي، وسأسرد لك حكايتي…حكاية أمل.
عندها تبدّلت الأحاديث وخفتت الضحكات العالية، لم أعد أتحدث مع صديقاتي عن الموضة والموسيقى والحفلات، وصارت عبارات المستشفى والطبيب والمرض هي الأكثر تداولا في المنزل. في سن الـ 15 اكتشفت إصابتي بسرطان العظام، من هنا نبدأ الحكاية.
مرحلة صعبة؟ بالتأكيد، فيها الكثير من الحزن والخوف والالم، ليأخذ الخبيث مني ساقي، تلك التي كنت أريد الاستناد عليها لإكمال الرحلة. لماذا أنا يا الله؟؟
بكيت، أحبطت، دقّ الاكتئاب بابي مرات ومرات، ولكن ظل الأمل حيّا في داخلي، ولم يكن عذرا أو عائقا، أذكر هنا أمي، تلك المرأة الحديدية، التي كانت كلما حزنت تردد على مسمعي:"يوما ما ستذكرين هذه الأيام ، ستكون قد مرّت بسلام، وقد تضحكين" ، كلمات كانت بلسم لجرح الروح والجسم معا.
ومرّت السنوات….
صحيح أنني شعرت بأنني فقدت قدراتي مع بتر ساقي، ولكنني عشت لاحقا حياة طبيعية، أكملت تعليمي، وكان لي دائرة معارفي وأصدقائي، ما مررت به لم يكن سهلا، ولكنه حتما ليس النهاية.
مرّت السنوات، بين العمل والحب والعائلة والزواج والانتقال من بيروت إلى دبي، حياة طبيعية ولكن من دون إدراك أهمية العناية بنفسي بشكل مضاعف بسبب وضعي، أفكر أحيانا أنّه كان على أحد أن ينصحني، ولكن لم يحصل.
نقطة مفصلية ثانية في حياتي
في العام 2013، بعد ولادة طفلتي الثانية بستة أشهر، وقعت وكسرت وركي، كنت إمرأة بعظام ضعيفة ووزن زائد بعد الولادة، كان الأمر بمثابة Wake Up Call وخلق ثورة في داخلي، فجأة وجدت أنني أهملت نفسي كثيرا خلال تلك السنوات، قد يكون التفاني والتضحية صفات مرتبطة بكل أم، ولكن ذاتي لها علي حق ويجب أن أمنحها وقتها، فكّرت أنّ الحياة جميلة باعتدالها، يجب أن أحب نفسي أكثر لأحب الآخرين. بدأت بممارسة الرياضة واتبعت نظاما غذائيا صحيا جعلني أفقد 25 كلغ من وزني في عام واحد.
تحولت رياضتي الصباحية إلى خطوة بالغة الأهمية، إلى جانب اهتمامي بولدي وتحضيرهما للمدرسة، ذلك القرار لم يؤثّر علي فقط، بل على أفراد عائلتي الذين عشقوا الرياضة بدورهم!
" انغرمت بحالي" زادت ثقتي بنفسي وبعد خسارة الوزن، قررت الاشتراك في مسابقة لخسارة الوزن في لندن، ولا يمكنني أن أصف سعادة فوزي والفخر الذي انتابني كإمرأة عربية مبتورة الطرف تحقق ذلك، وبعدها فكّرت ما هو الحلم التالي الذي أريد تحقيقه! إنّه الركض حتما، واشتركت في سباق الترياتلون دبي للسيدات، الذي يجمع السباحة والركض وركوب الدراجة الهوائية، لأكون أوّل إمرأة عربية بساق اصطناعية أشارك في هذا السباق، وذهبت حينها إلى أوروبا لأركّب طرف مخصص للركض، لم يكن الأمر سهلا، ولكنني أردت تحدي نفسي لإكمال المشوار.
أذكر أنّ سعادتي حين انتهيت من السباق كانت لا توصف، بكيت مرة جديدة، وكأنّ دموعي تحب دوماً أن ترافقني في لحظات فرحي كما حزني. وأيقنت أن إيماني بنفسي وقدراتي وإصراري على عدم الاستسلام هي سلاحي الحقيقي. فأنا، نعم، خسرت ساقي، ولكن لدي ساق أخرى، ويدين وذراعين، وعقل يفكر، وقلب ينبض، وإرادة جبارة أشكر الله عليها
رسالتي إلى كل إمرأة في يوم المرأة العالمي:
أفكر أحيانا أنّ لولا الأمل لما حققت كل ذلك، لو لم أفكر في يوم أنّ ما علي إلا أنّ أنظر إلى النصف الملآن من الكوب، وأن أفكر بإيجابية، وأنظر إلى المستقبل بدلا من الغرق بحزن الماضي وأن أكون شكورة لما أملك لما كنت دارين اليوم. لا أنكر فضل أحد علي، ولكنني في هذه الرحلة كنت وحدي، الأنا هنا ليست أنانية، ولكنها حقيقة، أنا من قرّر ونفّذ وتعب.