تميّزت بقوتها وثباتها وإصرارها على تحقيق أحلامها وطموحاتها ما سمح لها بإثبات نفسها عن جدارة بين أقرانها من النساء والرجال على السواء. إنها طالبة الدكتوراه في الهندسة والمتعدّدة التخصّصات من معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا الدكتورة نازك الأتب، التي نالت، أخيراً، جائزة لوريال في برنامج "من أجل المرأة في العلم".
وقد خصّت الدكتورة الأتب ياسمينة بحديث خاص حيال فوزها في الجائزة فضلاً عن أبحاثها في مجال تصنيع أجهزة ذاكرة جديدة غير متطايرة ومنخفضة الطاقة وحاصِرة للشحنات تمتاز بأداء معزّز.
فائزة في جائزة لوريال مها الصبّاغ: على المرأة تحديد هدفها والسعي لتحقيقه
إليكم فيما يلي تفاصيل المقابلة:
كم كان صعباً بالنسبة اليك التخصّص في مجال يطغى عليه الطابع الذكوري بامتياز والحصول على احترامهم واعترافهم بنجاحك؟
بالرغم من أن إختصاص هندسة النظم الدقيقة وتكنولوجيا النانو يغلب عليه الطابع الذكوري، إلاّ أنني لم أواجه أي مشكلة أو عرقلة في إثبات نفسي وكسب ثقة أقراني من النساء والرجال وإحترامهم، ذلك لأن دائماً ما تم تقييمي على أساس قدراتي الفكرية، عملي، وإنجازاتي. وذلك إن دلّ على شيء فإنما يدل الى مستوى التوعية الفكرية العالي في دولة الإمارات العزيزة بعكس بعض المجتمعات الأخرى التي ما زالت تنظر للمرأة بدونية وبصورة مجحفة بحقّها. ففي المجالات العلمية عامة، الإنجازات والنتائج هي التي يجب أن تتحدّث عن الشخص وليس جنسه أو شكله.
ما هي الأهمية الحقيقية لتصنيع أجهزة ذاكرة جديدة غير متطايرة ومنخفضة الطاقة وحاصِرة للشحنات؟
إن أجهزة الذاكرة غير المتطايرة والحاصِرة للشحنات تشكل عنصراً أساسياً في معظم الأنظمة الإلكترونية الحديثة كالهواتف المحمولة، أجهزة الكمبيوتر الشخصية، الكاميرات الرقمية، الخ. وهي تستخدم لحفظ البيانات والبرامج. خصائص تقييم أداء هذه الأجهزة تشمل الطاقة المستهلكة، السرعة، والقدرة على الحفظ والتحمّل. لذلك فإن إبتكار أجهزة ذاكرة معزّزة الأداء ضروري جداً لتطوير أداء الجيل القادم من الإلكترونيات. مثلا، إستخدام أجهزة ذاكرة مصغّرة الحجم أي بحجم النانو(Nano-Memory) و معزّزة الأداء في الهواتف المحمولة سيمكّنها من حفظ كمية أكبر من البيانات كالصور والفيديوهات، تشغيل برامج وتطبيقات متقدّمة، زيادة سرعتها بالإضافة إلى إطالة عمرها الإفتراضي وجعل بطارياتها تدوم طويلا. إذا، فإن تخفيض الطاقة المستهلكة في أجهزة الذاكرة الحالية وتحسين قدراتها من شأنه أن يساهم في تحقيق الإستدامة البيئية في العالم.
ما هو أكثر ما تعشقينه في مهنتك؟
بصفتي كطالبة دكتوراة وباحثة، فإن أكثر ما أحبه في مهنتي هو العمل في الغرفة النظيفة (Cleanroom) على تصنيع وإبتكار مواد نانوية جديدة وتحليل خصائصها على أساس فيزياء النانو وبالتالي إستخدامها لتعزيز أداء أجهزة إلكترونية مختلفة كأجهزة الذاكرة مثلا.
فإن دراسة خصائص المواد النانوية المختلفة تجعلني أفهم العالم المادي من حولي أكثر وهو يشكل أمراً ممتعاً جداً ومحفزاً لي. كما أنني أحب مشاركة نتائج أبحاثي مع أقراني في مجال تكنولوجيا النانو من خلال نشر مقالات في صحف ومؤتمرات عالمية ما يساعدني على المساهمة في التقدّم التكنولوجي العالمي.
إلى أي مدى يضرّ بصورة المرأة أن تظهر أو أن تعتبر مجرد منظر أو جمال بعيداً من أي قدرة فكرية على التحليل والثقافة؟
إعتبار المرأة كائناً جميلاً ولكن غير قادر على التفكير والتحليل هو أمر مرفوض جملة وتفصيلا. وإن هذا النوع من التفكير يدفع العديد من الشركات والمدراء إلى اجتناب أو عدم تحبيذ توظيف المرأة في مهن تتطلّب ذكاء وثقافة عامة. بالرغم من أن الواقع يشهد للعديد من النساء اللواتي وصلن إلى أعلى المراتب والمناصب، وحقّقن إنجازات وإبداعات فكرية، إلاّ أنّ بعض الأشخاص لا يزالون ينظرون إلى المرأة ككائن إستعراضي فارغ لا عمق له، للأسف. من الناحية الإيجابية، نسبة هؤلاء الأشخاص تتضاءل يوماً بعد يوم بسبب إنتشار التوعية الفكرية وزيادة عدد النساء الناجحات ما يدفع المجتمعات إلى التعامل مع المرأة كعقل وفكر بعيداً من الشكل.
هل يتوجب على المرأة أن تختار أو تضحّي بين مهنتها وطموحها وتأسيس عائلة خاصة بها؟
بالرغم من أن عدد النساء اللواتي يعملن يزداد سريعاً، إلاّ أن فرص ازدهارهن ما زلت ضئيلة. ذلك يعود لضعف التشريعات التي تحمي حقوق المرأة العاملة كأم وزوجة في بعض الدول. فإن عدم منح المرأة العاملة إجازة أمومة عادلة يضطرها في بعض الأحيان إلى التخلي عن مهنتها من أجل رعاية أولادها. لذلك يجب على صنّاع القرار العمل على إصدار قوانين تنصف المرأة العاملة بأبسط حقوقها كأم بحيث لا يتوجب عليها التخلي عن طموحها إن قررت الزواج والإنجاب.
ماذا يعني لك اليوم استلامك لجائزة "لوريال-أونيسكو"؟ والى أي مدى يجب تكريم النساء اللامعات في مجتمعنا العربي؟
يسعدني جداً الحصول على جائزة لوريال-أونيسكو المرموقة فهي بمثابة إعتراف بأهمية عملي بالإضافة إلى تسليط الضوء على إنجازاتي. أعتبر هذه الجائزة إنجاز أخر لي يحفّزني على مواصلة شغفي في إجراء الأبحاث في مجال تكنولوجيا النانو والمساهمة في التطور التكنولوجي. وإنّ من شأن تكريم النساء الناجحات واللامعات في مختلف المجالات العلمية والأدبية والاقتصادية أن يساهم في نشر التوعية الفكرية للأفراد وبالتالي تغيير نظرة بعض المجتمعات العربية للمرأة التي تعتبر أنها مجرد كائن جميل خالٍ من العقل. فإن تكريمهن سيعزّز إثبات أن المرأة قادرة على التحليل والتفكير والتمتّع بالذكاء والثقافة العامة ما يخوّلها المساهمة في تحقيق التقدّم للمجتمعات في كل أنحاء العالم وعلى كل الصعد. بالإضافة، فإن تكريم النساء المتفوقات في مختلف المجالات العلمية والأدبية والاقتصادية يشكل مصدر إلهام للكثير من النساء في العالم العربي اللواتي يرغبن في تحقيق أحلامهن ولكنهن لا يملكن الثقة الكافية في النفس لفعل ذلك.
ما الرسالة التي توجهينها الى النساء العربيات اللواتي يرغبن في تحقيق أهدافهن لكنهن خائفات؟
بالرغم من أن بعض المجتمعات العربية ما زالت لا تعترف بقدرات المرأة الفكرية، إلاّ أن هذا لا يشكل سبباً حتى تتنازل النساء عن أحلامهن خوفاً من أن يتم انتقادهن وعدم إنصافهن. أودّ أن أقول لتلك النساء الطموحات أن وحدتنا ودفاعنا عن حقوقنا في التعليم والعمل وتحقيق أهدافنا سيساهم في تغيير نظرة العالم إلى المرأة، لذلك لا يجب علينا الرضوخ والتنازل عن رغباتنا عند أول عقبة بل المثابرة على الإبداع والتميّز من أجل الوصول إلى الهدف المنشود.
أين ترين نفسك بعد 10 سنوات من الان؟
بعد عشر سنوات من الآن، أمل في أن أصبح أستاذة جامعية ناجحة في تدريب الطلاب وإرشادهم وحثّهم على مواصلة درب التفوق والنجاح. كما أتمنى مواصلة الإبداع في أبحاثي والمساهمة في التقدّم التكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم، مع حرصي المتواصل على تحقيق التوازن بين عملي وأسرتي.
اقرئي المزيد:ريحانة جباري تشحن العالم أجمع بعد إعدامها