المشاعر لا تولد تجاه الأشخاص فقط، المشاعر تولد تجاه الأمكنة، تتغلغل في زوايا الروح والوجدان، وتعبر نحو القلب، وتترسخ في شرايينه، هذه هي حالي مع " غراس" هذه المدينة الفرنسية التي حصلت على فرصة زيارتها هذه المرّة برفقة CHANEL، فكان لعاصمة العطور الفرنسية تأثيرها القوي علي، وتكرّس أكثر عشقي لعطور الدار العريقة. حكاية أخبرك فصولها اليوم على ياسمينة، فيها من شذى أزهار غراس، وزرقة سمائها، وروعة حقولها!
حين وصلت إلى غراس، ونظرت نحو الحقول، أيقنت أنّ ما منحنا إيّاه الله من جمال في الطبيعة هو مكافأة حقيقية لنا نحن البشر، وحين اقتربت من تلك الوردة الصغيرة التي أنتجت أفخم عطور العالم، أيقنت أنّه يجب على الانسان ألا يستخف بقدرة أحد، مهما كان بسيطاً أو صغيراً. يخطف المشهد حواسك وأنفاسك، فهنا منشأ عطر CHANEL No 5 الذي استطاع أن يكون أحد أكثر الابتكارات الأيقونية في عالم العطور العالمية.
> حقول غراس في مايو هي لوحات فنية حقيقية أبدعت بريشة الخالق، وطبيعتها تشعرك أنّك أمام معزوفة موسيقية قوامها العبير
كنت فعلاً من المحظوظات لأحصل على فرصة التعرف على هذا التاريخ العابق بالجمال عن قرب وعن كثب، ولأقابل جوزيف مول، شريك CHANEL والمسؤول عن الحقول، هذا الرجل العجوز الذي ينبض بجاذبية الشباب، والذي أخبرني تفاصيل مسيرة زهرة أطلقت عطراً أزلياً! مول يعتبر أنّ الوقت هو عدو الزهرة، لهذا يتم العمل بدقة وسرعة بدءاً من مرحلة القطف وصولاً إلى معامل CHANEL من أجل أن تبدأ العملية الحقيقية للتصنيع، هناك أخبرنا عن طريقة قطف الزهرة التي يجب أن تتم بإصبعين بعد ثنيها من العنق بخفّة بالغة، ومن بين أصابعه وأصابع عشراء النساء تتوجه العطور إلى مرحلة أخرى وهي التقطير.
هناك الكل يعمل على قدم وساق، نظرت إلى العملية الحقيقية لعطر CHANEL No 5، وتأكدت من مقولة أنّ النجاح لم يكن في يوم عبثياً أو وليد صدفة، النجاح بحاجة إلى خطة دقيقة متكاملة واضحة الأهداف والمعالم، المشهد في المعمل بعماله وتقنياته أعاد هذا الاعتقاد إلى ذهني، ورسّخه أكثر في ذاتي.
تفاصيل لقاء ياسمينة مع أوليفييه بولج
ينتمي أوليفييه بولج ينتمي إلى الجيل الرابع في دار CHANEL، وقد حلّ خلفاً لوالده جاك بولج، الذي تسلم دوره من هنري روبير. وصف أوليفييه غراس أنّها مصدر إلهام غني ودائم لابتكارات عطور الدار، ولها تأثيرها في كل نفحة وكل مكوّن.
> أوليفييه بولج يؤكد أنّ المرأة هي التي تختار عطرها، وليس العطر هو الذي يختار المرأة!
جمعنا مع أوليفييه حديثاً شيّقاً عن العطور، بعد زيارة الحقول والمعمل. وعن عطر CHANEL No 5 يقول بولج:" هذا العطر هو الأول الذي أطلق في العام 1921، غني وقوي وبمثابة العمود الفقري الذي يعرف هوية الدار ويعكسها بالصورة الأجمل والأقرب، ولعل التحدي الناجح أنّ هذا العطر لم يتغير، وما يزال هناك الكثير ليقوله للأجيال، الأمر الذي يكرسّه يوماً بعد يوم عطراً أيقونياً لا يموت". لهذا العطر هوية فريدة واستثنائية، وقارورة ظلّت محافظة على تميزها، مع التعديلات سواء من ناحية التصميم أو التركيبة، وهو أمر أساسي وحتمي مع مرور السنوات على حد تعبيره.
ورداً على سؤال ما إذا كان يفكر في إمرأة معيّنة عند ابتكار العطر، ينفي ذلك ويقول أنّ الواقع معاكس، فبرأيه أنّ المرأة هي التي تختار عطرها، وليس العطر هو الذي يختار المرأة، ففي داخل الأنثى ما يحفزها ويدفعها لاختيار نوع عطور دون الآخر، إنّه ذلك العطر الذي يجذبها ويحاكي أحاسيسها، ويناديها!
أما عن الطريقة المثلى لوضع العطر فيستشهد هنا أوليفييه بولج بما قالته غبريال شانيل:" ضعي العطر في المكان الذي تحبين أن يقوم أحد بتقبيلك فيه". ويؤكد أوليفييه في حديثه أنّ هذا لعلّ نجاح هذا العطر هو الثنائية التي تجمع بين العبير الآسر والقدرة على إيصال الرسالة الحقيقية الكامنة خلفه والتي تتمثل في تمكين المرأة وجعلها أكثر ثقة بنفسها وجمالها!
استطعت أن أعود من غراس محملة بباقة من الذكريات الجميلة الرائعة التي سترافقني إلى الأبد، محمّلة بسحر خالد تغلغل في أعماق روحي، وحكايا جمال آسرة لا يمكن أن تمحى مع مرور السنون، محملة بعبق CHANEL هذه الدار التي لطالما كان لها حصّة كبيرة في زوايا قلبي!!