بطلة قصتنا سيدة لم تتلقَّ تعليمها وكافحت نحو شغفها لتكتسب بجدارة لقب أول مؤرخة أزياء سعودية تاركة خلفها إرثًا ثقافيًا مُبهرًا.
نعرفك في هذه الأسطر على قصة سيدة سعودية كان لها الفضل في عالم الموضة والأزياء بتوثيقها لجمال وتراث الأزياء التقليدية السعودية والعربية، وحول الحديث عن السعوديات الرائدات تذكري رحيل رائدة الفن السعودي الفنانة التشكيلية صفية بن زقر صاحبة لوحة “موناليزا الحجاز”.
ولادتها ونشأتها
ولدت طاهرة السباعي في مكة المُكرمة، ولم تحظى بفرصة التعليم والإلتحاق بالمدرسة كحال معظم البنات في جيلها، ورغم ذلك عشقت المعرفة وخصوصًا الشعر الذي كانت تحب سماعه في مجالس النساء في مكة، وأثارت أشعار عمر بن أبي ربيعة في نفسها رغبة لتعرف على التاريخ والثقافة في تلك الحقبة الزمنية، لتبدأ رحلتها بتعلم القراءة والكتابة ذاتيًا متجاوزة قيود الأمية التي كانت تحدّ من طموحها.
في الثالثة عشرة من عمرها، تزوجت طاهرة من محمود بيت المال، الذي ينتمي إلى عائلة مكية عريقة امتهنت الطوافة لأكثر من أربعة قرون. على الرغم من قلة تعليمها، تميزت طاهرة بشخصية قوية وإصرار جعلها قادرة على اتخاذ قرارات جريئة، مما انعكس على مسار حياتها.
طموحها وسفرها
ساعدت موهبتها بالرسم على تحويل شغفها الى واقع ملموس من خلال تصميم الأزياء التراثية والتاريخية، ووجدت نفسها تكافح باستمرار لتطوير ذاتها والتعلم، وتماشى هذا الطموح مع قرارها بالسفر الى مصر مع زوجها وأبنائها السبعة إلى مصر وذلك بهدف ااحصول على تعليم أفضل.
كانت هذه الرحلة بداية مسيرة مليئة بالكفاح. بعد عدة سنوات في مصر، انتقلت الأسرة إلى مدينة إكستر في بريطانيا، حيث استقرت هناك لأكثر من أربعين عامًا. ظلت طاهرة خلال هذه الفترة رمزًا للإصرار والطموح ، وعملت طاهرة السباعي بإصرار لتحقيق هدفها في تعليم أبنائها، حيث نجحت في مساعدة خمسة منهم للحصول على درجات الدكتوراه في تخصصات متنوعة مثل الطب والفيزياء والعلوم الاجتماعية.
مسيرتها في الأزياء التراثية
في ظل هذه الظروف، كرست طاهرة نفسها لهوايتها وشغفها بتصميم وحياكة الملابس ذات الطابع التراثي والتاريخي، لتصبح أول سعودية تتخصص في هذا المجال. دفعها هذا العشق للأزياء التراثية إلى تعلم القراءة والكتابة بنفسها في الخمسينات من عمرها، وبدأت في التعمق في دراسة تاريخ الأزياء وتراث الشعوب المختلفة.
واتخذت طاهرة خطوة كبيرة في سبيل المحافظة على التراث العربي في الأزياء، إذ قامت برحلة شملت عدة دول عربية، من السعودية إلى الجزائر والمغرب ومصر وتونس وسوريا. جمعت نتائج هذه الرحلات في مؤلفات تهدف إلى توثيق التراث العربي ومنع اندثاره، كما استخدمتها لتعريف العالم الغربي بجماليات التراث الإسلامي.
مؤلفاتها وكتبها
استوحت طاهرة مجموعة من تصاميمها من أشعار عمر بن أبي ربيعة، وهو ما يظهر جليًا في كتابها الأول” أزياء الحجاز في شعر عمر بن أبي ربيعة“، ولاقت أعمالها استحسانًا عالميًا، وشاركت بها في معارض دولية، كما عرضت بعض من إبداعاتها في المتحف البريطاني الوطني تكريمًا لإنجازاتها.
للطاهرة أكثر من عشرة مؤلفات بارزة حول الأزياء التراثية العربية، إضافة إلى مجموعة قصصية للأطفال، مثل ذكرى أمي وذكريات الطفولة. كما أصدرت ديواني شعر، وكانت تعمل على إتمام عدد من المشاريع الأدبية قبل وفاتها، ومن أبرز مؤلفاتها:
- ازياء شمال افريقيا ومقامة الافتخار عند عارضات الجمال.
- ازياء الحجاز في شعر عمر بن ابي ربيعة.
- نسيج الأيام.
- الفراعن: شعر نساء الحجاز.
- ازياء العرائس في السعودية و شخصيات من قبائل بني سليم.
ظلت طاهرة خلال هذه الفترة رمزًا للإصرار والطموح حتى وافتها المنية عام 2011م، تاركة خلفها إرثًا ملهمًا، وهذا ما جعل قصتها محوراً لفيلم وثائقي بعنوان “أنشودة إلى أمي”، من إنتاج ابنتها فريال وإخراج المخرج الأمريكي جورج شمشوم، وجسد الفيلم تفاصيل واقعية عن رحلة السيدة المكيّة التي قادها شغفها وطموحها إلى الهجرة مع زوجها وأبنائها السبعة لتحقيق رؤيتها وأهدافها، ليبقى إرثها شاهدًا على قوة الإرادة والطموح.
أخيرًا، تابعي أيقونات سعوديات كنّ من الرائدات في المجال الفني.