نعود اليوم إلى تاريخ بدلة الرقص الشرقي حيث شكّلت مجموعة من التغيّرات التاريخية والاقتصادية وحتّى التجاريّة دورا في شكل هذا الزي الذي شهد الكثير من التحوّلات على مدار الأيّام، وارتبط بفن الرقص الشرقي الذي يزخر بالفوائد الصحية على الجسم.
قد يعتبر الرقص الشرقي أول أنواع الرقص في العالم، ويُقال إنه يعود على إلى زمن الإسكندر الأكبر حوالي 356-323 قبل الميلاد، وتكمن طقوسه في مصر القديمة واليونان، في حين يقول آخرون إنه قد تم جلبه من الهند إلى الشرق الأوسط عن طريق الرومان (الغجر) الذين طوروا هذا النوع من الرقص في المغرب وإسبانيا.
ويشهد تاريخ مصر الفرعونية أدلّة تشهد وجود بدلات الرقص الشرقي، والتي نُقشت على لوحات المقابر المصرية القديمة، وكذلك المنحوتات اليونانية والنقوش الصخرية التي يبلغ عمرها نحو 17000 عام، ولكن يصعب تحديد بداية ظهور بدلات الرقص الشرقي بسبب أن الكثير من السجلات المكتوبة لم تبدأ في الظهور إلا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من قبل الرحالة الأوربيين في مصر.
بداية ظهور مصطلح الرقص الشرقي واقترانه ببدلة الرقص
على الرغم من أنه يقال أنّ للرقص الشرقي جذورًا تمتد شرقًا حتى الهند وغربًا حتى المغرب، إلا أن المسافرين الفرنسيين بدأوا يشيرون إليه باسم “danse du ventre” فقط في القرن التاسع عشر والذي يُترجم إلى “رقصة العالم”، وقبل ذلك، كان يشار إليه بالرقص الشرقي أو الرقص البلدي أو الرقص الشعبي وهو الاسم المعروف حتى الآن في العالم العربي، بحسب ما ذكره موقع csa-living.org.
بداية ظهور فكرة الرقص الشرقي في القرن الثامن والتاسع عشر
وكان مصطلحا “الرقص الشرقي” و”الراقصون الشرقيون” من الاختراعات الغربية التي انتشرت بعد انتقال روايات وملاحظات هذه الرقصة الخاصة من مصر إلى الجماهير في أوروبا والولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، وتشير كاثلين فريزر الكاتبة والشاعرة الأمريكية في كتابها الصادر عام 2014 قبل أن يصبحن راقصات شرقيات: الروايات الأوروبية للفنانات في مصر، في الفترة ما بين 1760-1870، إلى ما يلي:
إن الرابط الأكثر استثنائية بين السياسة والتسجيلات التصويرية للراقصين يكمن في الغزو النابليوني لمصر في عام 1798، حيث لم يقم نابليون بإحضار القوات فحسب، بل أحضر أيضًا مجموعة من العلماء الفرنسيين لدراسة وتسجيل مصر القديمة والمعاصرة على حد سواء، وتمكن هؤلاء الرجال المتفانون، من تنفيذ عملهم في ظل ظروف الحرب، ونشروا في النهاية كتابًا ضخمًا متعدد المجلدات بعنوان “وصف مصر” (فرنسا، لجنة العلوم والفنون في مصر 1809)، وتعد هذه الوثيقة بمثابة موسوعة افتراضية للآثار والحياة المعاصرة والتاريخ الطبيعي للبلاد.
بداية الرقص الشرقي كان بهدف مساعدة النساء على الولادة
هناك العديد من المنظرين الذين يزعمون أن الرقصة في أصلها لم يكن المقصود منها أن تكون مغرية أو مثيرة بأي شكل من الأشكال، في الواقع، يُعتقد أن الرقص الشرقي بدأ كطقوس رقص للخصوبة للمساعدة في إعداد أجساد النساء للولادة، وفي الأصل لم تكن الرقصة تؤدى للرجال، بل كانت تؤدى أمام نساء أخريات، وفي المجتمعات الإسلامية التقليدية، بقيت هذه الممارسة المتمثلة في أداء الرقص فقط أمام النساء الأخريات، حيث كانت النساء يتجمعن لأداء نوع من الرقص الشرقي بعد تناول وجبة المساء، وهي رقصة أطلقوا عليها اسم “الرقص الشرقي” (رقص شرقي / شرق أوسطي)، تتضمن هذه الرقصة بشكل أساسي تمويج البطن وتحريك الوركين والجذع.
وبعد إطعام أزواجهن وأبنائهن، تتجمع النساء في مكان منفصل للرقص، وكان يُنظر إلى رقصة ما بعد العشاء التقليدية هذه على أنها وسيلة لأمهات العزاب المؤهلين للقاء شابات من المجتمع والعثور على زوجات مناسبات لأبنائهن.
وبما أن الرقص الشرقي معروف بتقوية العضلات اللازمة للولادة، فإن الأمهات يستخدمن الرقص كوسيلة لمعرفة أي الشابات يظهرن استعدادهن للزواج وإنجاب الأطفال، لذا، قبل أن يصبح الرقص رقصة إغراء، كان يُنظر إليه على أنه تعبير واحتفال بالأنوثة، وبالقدرة الإبداعية لجسد الأنثى، وبالحدث المعجزي المتمثل في الولادة، ولا يساعد الرقص الشرقي على فتح جسد المرأة للولادة فحسب، بل هو وسيلة لأداء التنويم المغناطيسي الذاتي للمساعدة في تخفيف الألم وتعزيز تجربة الولادة. نشير هنا إلى أفضل تطبيقات مجانية لتعليم الرقص في المنزل.
نجاح الرقص الشرقي في أميركا!
في عام 1893، تم تقديم الرقص الشرقي للجمهور الأمريكي في معرض شيكاغو العالمي من قبل كاتب أغاني أمريكي يُدعى سول بلوم، حتى أن البعض يرجعون إلى بلوم في صياغة مصطلح “الرقص الشرقي”، حيث استخدم النسخة الإنجليزية من الكلمة الفرنسية “danse du ventre”.
وحققت الرقصة نجاحًا فوريًا وسرعان ما انتشرت إلى مناطق حضرية كبرى أخرى في الولايات المتحدة، وكان يُنظر إلى الرقصة على أنها مثيرة للجدل إلى حد ما ولم يتم استقبالها بشكل جيد من قبل النساء الفيكتوريات في أواخر القرن التاسع عشر حيث ارتدين الكورسيهات والفساتين ذات الطبقات من الرأس إلى أخمص القدمين إذ صدمتهم ملابس الرقص الجريئة.
ماذا كانت ترتدي الراقصات قبل عام 1700؟
لأنه كان من الصعب توضيح التاريخ المحدد الذي ظهر فيه الرقص الشرقي، وتباعاً له سيرتبط الأمر ببدلة الرقص، فمن الممكن أن نقول أنه قبل الثورة الصناعية أي قبل الفترة حوالي 1760، كانت الأقمشة مصنوعة يدوياً وثمينة، حيث كان يتم عمل النسيج بوتيرة العمل البشري، ويتم حياكتها يدوياً، ولأن الرقص لم يكن يأخذ شكل العرض الفني الذي نشهده الآن، فكان معظم الراقصين يرتدون الملابس التي يملكونها، ويعتمد ذلك على مدينتهم ومنطقتهم وانتمائهم الاجتماعي، بحسب موضع bellydance.com.
ويتم تحديد الجودة من خلال عدد من العوامل المختلفة، على سبيل المثال سيتمكن الأفراد ذوو المكانة أو الطبقة الأعلى من الوصول إلى مواد خام ذات جودة أفضل، وتلعب مهارات الخياطة والتزيين أيضًا دورًا كبيرًا في جودة الملابس الجاهزة، حتى المواد المتواضعة يمكن تحويلها إلى ملابس جميلة وحتى إلى أعمال فنية يمكن ارتداؤها.
وقبل عام 1700، كان معظم الراقصين يقدمون عروضهم داخل مجتمعهم الخاص أو أمام المزيد من أعضاء النخبة في مجتمعهم المحلي أو حتى الإقليمي، وإذا تم اختيارهم للرقص للأشخاص المهمين، فسيتم تزويدهم بالملابس اللازمة.
بداية توثيق وجود بدلة الرقص بشكلها المٌتعارف
خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تقدمت التكنولوجيا ونمت المدن وأصبح السفر أسهل، وطوال هذه الفترة، كان المزيد من الناس يستكشفون أماكن خارج قريتهم أو بلدتهم، وكان تطور الصناعة يعني المزيد من فرص العمل، ولذلك غادر سكان الريف للعيش والعمل في المدن المتنامية.
جلب السفر الزوار من جميع أنحاء العالم لزيارة مدن مثل إسطنبول بتركيا والقاهرة في مصر لاكتشاف عجائب العالم القديم، وفي البداية، كان هؤلاء المسافرون من الأفراد ذوي المكانة العالية (معظمهم من الرجال) الذين شرعوا في “الجولة الكبرى” التي تضمنت محطات مهمة في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وبالنسبة للأفراد في هذه الجولات الكبرى، كان السفر يعتبر خبرات تعليمية ودراسية أساسية، ولكن بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في المدن في هذه الرحلات، كان ذلك يعني المزيد من الفرص لكسب المال عن طريق بيع السلع التجارية والسكن والطعام والترفيه.
ونجد التوثيق الكتابي والمرئي في حسابات المسافرين أصبح أكثر تواترا وتفصيلا طوال هذه الفترة، ومع تقدمنا بالزمن حتى أواخر القرن التاسع عشر، تضيف تكنولوجيا التصوير الفوتوغرافي المزيد من المعلومات المرئية إلى تاريخنا مع اختراع البطاقة البريدية المصورة ثم لقطات السفر لاحقًا، والتي شاهدنا فيها شكل بدلات الرقص من قطعتين.
وربما كانت الوجهة الأكثر أهمية لهؤلاء المسافرين الأوائل في الجولة الكبرى، وبعد ذلك للسائحين الذين يعملون بالطاقة البخارية، هي القاهرة، مصر، وفي مسح عام لبطاقات السفر البريدية من هذه المدينة، يمكننا اكتشاف عدة أنماط مختلفة من الأزياء التي تظهر من التركية العثمانية إلى الفلاحين الريفيين.
ولادة بدلة الرقص الشرقي!
وقد أدت الثورة الصناعية إلى تسريع نمو المدن وتوسعها، وتطور المعدات اللازمة لبناء مباني المدن وشبكة النقل، وبالطبع القدرة على صنع المنسوجات بسرعة لملابس المواطنين، ومع التصنيع، انخفضت تكلفة الملابس، مثل العديد من الضروريات اليومية الأخرى.
وقد أصبح لفناني الرقص المحترفين القدرة على شراء المواد اللازمة لإنشاء فرقة فاخرة لاستخدامها في الأداء فقط، وتطور هذا إلى زي موحد يحدد الراقصة ودورها على المسرح.
ومن هُنا وُلد جوهر بدلة الرقص الشرقي في طوقها التقليدي في الدولة العثمانية، وكان عبارة عن قطعتين بنطلون واسع وحمالة صدر، مع الكثير من التطريزات التي تنسدل من الجزء العلوي لتغطي البطن.
أثناء فترة الحكم العثماني في مصر انتشر هذا الطراز المكون من حمالة صدر وحزام عريض وتطور البنطلون الواسع ليصبح تنورة، حيث اعتنقت الراقصات هذا الستايل للبدلة على خشبة المسرح في النوادي للسياح والسكان المحليين على حد سواء، وأطلقوا عليها اسم “البدلة” أو بدلة الرقص الشرقي.
ومنذ ذلك الحين، شهدنا تغييرات أسرع وأكبر مع التقدم التكنولوجي، وعلى مدار السنوات الماضية، شكلت التكنولوجيا تطور زي الرقص الشرقي كما نعرفه اليوم.
ظهور الألياف الاصطناعية أضافت المزيد من الانسيابية للبدلة
سمح اختراع الشيفون البوليستر في عام 1958 للراقصات من مختلف الميزانيات بإنشاء خزانة ملابس من التنانير الشفافة المنتفخة، وفي الثمانينيات، انضمت ألياف لدنة إلى تصاميم بدل الرقص، لتصبح أكثر انسيابية. وحتى اليوم يوجد التنوع وسهولة الوصول إلى المنسوجات والزخارف وحتى الأزياء الجاهزة، سمحت الثورة الصناعية بمعدلات إنتاج أسرع، وألياف جديدة ومبتكرة، وإنتاج الأقمشة المحبوكة، وسهولة النقل إلى مواقع حول العالم.
اقتران اسم بديعة مصابني ببدلة الرقص الشرقي
عندما يتعلق الأمر بالرقص الشرقي الحديث، كانت بديعة مصابني رائدة هذا النوع من الفن في القاهرة في عشرينيات القرن الماضي، وأصبحت تُعرف باسم “عرابة” الرقص الشرقي. ففي عام 1926، افتتحت مصباني كازينو البادية الشهير في شارع عماد الدين بقلب وسط البلد بالقاهرة، حيث كانت رائدة في أدوات الرقص المسرحي مثل تصميم الرقصات الجماعية، وأدوات توسيع الحركة، والاستخدام المتعمد للمساحة على المسرح، والعديد من الأدوات الحديثة الأخرى.
وخلال الثلاثينيات، قدمت مصابني العديد من النجوم الصاعدين للجمهور المصري بما في ذلك المطربين والملحنين مثل محمد عبد الوهاب بالإضافة إلى بعض الراقصات الأكثر شهرة في مصر مثل تحية كاريوكا، سامية جمال، نعيمة عاكف، وببا عز الدين.
ظهور الشمعدان والصاجات مع البدلة المطرزة بالترتر
وكانت بديعة مصابني هي أوّل من قدّمت شكل البدلة المصرية الأصيل، وأضافت عليها المزيد من الإكسسوارات اللامعة كي تناسب العروض المسرحية التي كانت تقدّمها، مع وجود الترتر اللامع والشمعدان على الرأس والذي كان بمثابة تحدّي للمرونة للراقصات اللواتي يتمايلن وهن يحملن شمعدان ضخم فوق رؤوسهن وفي أيديهن الصاجات.
وفي نفس هذه الفترة كان هناك شكل آخر لبدلة الرقص الشرقي، والتي كانت تعتمد على عباية طويلة شفافة، ترتدي الراقصة تحتها قطعتين لامعتين تغطي الجزء العلوي والسفلي معاً، بينما يأتي الجزء العلوي من النايلون والحرير والشيفون المطرز. على صعيد آخر، نشير هنا إلى قواعد وأصول الرقص بحسب الاتيكيت.
بدلة الرقص الشرقي الخمسينيات والستينيات
يعتبر الكثيرون المصرية تحية كاريوكا أفضل راقصة شرقية على الإطلاق، التي تم التقاط العديد من الصور لها بالبدلة المختلفة بخياطها المحبوكة، وتفاصيلها الانسيابية التي تركز على بروز قوام الراقصة، بينما كانت سامية جمال تعتبر أعظم راقصة في الشرق الأوسط في الخمسينيات والستينيات، وشهدت هذه الفترة عودة البناطيل الشفافة للرقص الشرقي، مع وجود تفاصيل مختلفة مثل البدلة مع الطرحة الشيفون المطرزة، لتمنح الراقصات مظهراً أجمل عند التمايل والرقص.
وغالبًا ما كان هناك راقصة شرقية في العديد من الأفلام المصرية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي في قلب قصتها، والتي تُوضح لنا جمال وأناقة البدل آنذاك.
بدل الرقص الشرقي في العصر الحالي وأسعار تفوق الخيال!
من المعروف أن بدل الرقص الشرقي لها ميزانية خاصة لوحدها، فقد تحدثت أكثر من فنانة راقصة على أن البدل الحالية تبدأ ميزانيتها من 40 – 50 ألف جنيه مصري وقد يصل سعر البدلة إلى 100 ألف جنيه وأكثر أي ما يقارب العشرة آلاف ريالا سعوديا، فهي عالية التكلفة، وتحتاج إلى تطريز يدوي لحياكتها، مع خامات عالية لتبدو مريحة وعملية، وفخمة في الوقت نفسه.
ولهذا نعتبر أن بدل الرقص بمثابة قطعة أنيقة وفنيّة، خصوصا بعدما أصبح الرقص الشرقي موجوداً في جميع أنحاء العالم، يأخذ شكله الفني، ولا تبطل موضته على الإطلاق، بل هو قادر على توسيع أذواقنا وثقافاتنا وتطويرها، ودمجها في الإبداع الذي يستمر في إثارة الشعور بالرهبة والتعجب من معجزة الجسد الأنثوي وهي ترتدي بدلة غاية في الأناقة. ونختم مع موضوع عن أهمية الرقص الشرقي للرشاقة والنحافة